وأما أقوال العلماء فذهب الأكثر بل كاد أن يكون اجماعا إلى انفعال الماء القليل بملاقاة مطلق النجس بل المتنجس والمخالف في ذلك من القدماء الحسن بن أبي عقيل العماني والصدوق في ظاهر كلامه في الفقيه قال في الفقيه: فإن دخل رجل الحمام ولم يكن معه ما يغرف به ويداه قذرتان ضرب يده في الماء وقال: بسم الله وهذا مما قال الله عز وجل: وما جعل عليكم في الدين من حرج (1) وكذلك الجنب إذا انتهى إلى الماء في الطريق ولم يكن معه إناء يغرف به ويداه قذرتان يفعل مثل ذلك انتهى والظاهر أن مستنده هو رواية محمد بن ميسر المتقدمة (2) فإن قلنا بظهور الرواية في عدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجس كما قويناه نقول بظهور كلامه في ذلك ويشهد لذلك استشهاده بالآية فإنه لا يناسب ذلك كون الماء المفروض كرا كما لا يخفى. ومن المتوسطين فخر الدين ومن المتأخرين المحدث الفيض الكاشاني والسيد عبد الله الشوشتري كما ذكر - لك كله في مفتاح الكرامة ولكن الصدوق قد خص عدم الانفعال بصورة الاضطرار كما يظهر ذلك من قوله ولم يكن معه إناء يغرف به إلا أن يقال: إن هذا القيد لرفع الكراهة وحمل أخبار المنع على الكراهة في صورة الاختيار كما مر في رواية محمد بن ميسر ثم إن مخالفة ابن أبي عقيل والصدوق غير ضائر في تحقق الاجماع لكونهما معلومي النسب وكذا فخر المحققين والفيض الكاشاني إلا أن يقال: إن مستند المجمعين ليس إلا هذه الأخبار وليس هنا اجماع كاشف قطعي عن قول المعصوم عليه السلام وقد عرفت أن الأخبار متعارضة فبعضها دال على انفعال الماء القليل وبعضها دال على عدم الانفعال لكن نقول: إن اعراض الأصحاب عن أخبار عدم الانفعال يكشف عن عدم حجيتها ويوجب وهنها عندنا.
ثم بناء على انفعال الماء القليل كما قويناه لا فرق بين أن تكون سطوح الماء متساوية أو مختلفة إذا لم يكن للماء قوة دافعة فالعالي ينجس بملاقاة النجس لسافله إذا لم يكن له دفع وقوة مثل ما إذا أدخل إبرة نجسة من تحت القربة فإنه ينجس الماء العالي فيها أيضا و كذا إذا كان الإبريق في أسفله ثقب واتصل ماء الإبريق بواسطة الثقب بالأرض النجسة فإنه ينجس الماء الذي في أعلى الإبريق أيضا وأما إذا كان للماء دفع وقوة فلا ينجس بملاقاة