وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شئ من المني وإن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله (1).
ولكن تعارض هذه الروايات الدالة على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس أخبار كثيرة دالة على عدم انفعال الماء القليل.
منها رواية أبي مريم الأنصاري قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركي له فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة فأكفأ رأسه وتوضأ بالباقي (2) فإن الظاهر من لفظ العذرة هو عذرة الانسان فدلت الرواية على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس وحمل الدلو على ما يبلغ الكر بعيد للغاية كما أن حمل العذرة على فضلة مأكول اللحم أيضا بعيد.
ومنها رواية محمد بن ميسر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان قال: يضع يده و (ثم) يتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال الله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج (3).
ولفظ القليل ظاهر فيما دون الكر وحمله على القليل بمقدار الكر خلاف ظاهر لفظ القليل والمقصود أنه يضع يده في الماء ويتوضأ أي يطهر يده به لأن الوضوء هنا بفتح الواو وهو بمعنى التنظيف لا الوضوء المعهود فإنه لا يجتمع مع غسل الجنابة.
وهذا المعنى المستفاد من الرواية - أعني عدم انفعال الماء القليل بوضع يده المتنجسة في الماء - هو المناسب لرفع الحرج الذي استدل به الإمام عليه السلام دون سائر التأويلات البعيدة عن الرواية لكي لا تنافي الروايات المتقدمة الدالة على انفعال الماء القليل بملاقاته للنجاسة ويمكن حمل النهي الوارد في الروايات المتقدمة - عن الوضوء بالماء الملاقي للنجاسة - على الكراهة في صورة الاختيار وحمل هذين الخبرين على الجواز بدون الكراهة في صورة عدم وجود ماء غيره وكذا يمكن حمل الأخبار الآمرة بإراقة الماء الملاقي للنجاسة على استحباب الإراقة