في الأرض أتقبلها من السلطان ثم أواجرها من آخرين على أن ما أخرج الله منها من شئ كان لي من ذلك النصف أو الثلث أو أقل من ذلك أو أكثر قال لا بأس ".
ويدل عليهما جميعا صحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله (ع) وفيها " لا بأس أن يتقبل الأرض وأهلها من السلطان " إذ الظاهران المراد بأهلها جزية رؤوسهم.
أما دلالة الأولى والثالثة فظاهرة، وأما الثانية فلدلالتها على نفوذ عمل السلطان في استيجار الأراضي الخراجية فتدل على أن ما أخذه أجرة وقعت كذلك لصحة الإجارة، فتدل نفوذ عمله وصحة إجارة الأراضي التي أمرها أصالة بيد الحاكم العدل.
وقد يورد على دلالتها بأنها بعد ما كانت في مقام بيان حكم آخر بعد الفراغ عن أن السلطان آخذ لا محالة عن مستعملي الأرض الضريبة فلا دلالة على جواز أصل التقبل بل جوازه مفروغ عنه ولعل جوازه لأجل أن السلطان يأخذ ما يأخذه البتة وبعد ذلك كل مستعمل الأراضي يرضون لا محالة أن يتقدم واحد ويضمن للسلطان ما هو آخذ منهم ثم يدفعون ما هو عليهم لهذا المتقبل فإن ذلك أمان لهم من جور الجائرين واعتداء المأمورين فهم يدفعون بطيب النفس لهذا ليدفع عنهم الظلامات " انتهى ".
(وفيه) مضافا إلى أن صحيحة الحلبي في مقام بيان جواز التقبل من السلطان كما لا يخفى: أن ما ذكره من طيب نفس مستعملي الأرض بما ذكره غريب، ضرورة أن الفرار من الأفسد إلى الفاسد ومن الظلم الكثير إلى الظلم القليل بالنسبة لا يوجب طيب النفس بالفاسد وبالظلم، ومعلوم أنهم لا يرضون بأداء الخراج وجزية الرؤوس، وإنما يطيب نفسهم بوقوع هذا الظلم بيد من لا يجوز فوق ذلك، وهذا غير طيب النفس على أصل الأداء، مع أن طيب نفسهم لا يفيد بعد كون الأمر بيد ولي الأمر العادل.
ومن هنا يظهر فساد ما لو يقال: إن من المحتمل أن يكون مستعملي الأرض ممن يعتقد بلزوم أداء الخراج إلى الوالي الجائر بتوهم أنه على الحق فكان أدائهم بطيب نفسهم، لما عرفت من أن طيب نفسهم لا تأثير له، مضافا إلى أن هذا الطيب المبني على أمر فاسد لا يفيد، فهو نظير طيب النفس في المعاملة الفاسدة مع أن المقبوض