وأقفالها وملكات أخر جعلها الله تعالى في الانسان وديعة رأسها العاقلة وبعدها الحياء والشرف والخوف من الله ومن الناس وعز النفس وعظمتها وطلب الكمال و أمثالها، ومفتاح كل تلك الأقفال ورافع بلك الحواجز الشراب، بمعنى أن ذاته كذات المفتاح وشربه آليته الفعلية لا بمعنى ترتب جميع الشرور على شربه فعلا بل بمعنى رفع الحاجز عما هو مقتض للفساد، فلا يبالي معه بما فعل وما فعل به، و يأتي بما يمكنه ويهويه من مشتهياته ومقتضيات قواه المائلة إلى الفساد، فلا يبالي بقتل النفس المحترمة ولا بالزنا بالمحارم ولا بغير ذلك. هذا حال الشراب وأما الكذب فهو شر منه في هذه الخاصة من جهتين، من جهة أن الشراب رافع الموانع عن الشرور والكذب محرك وداع إليها فإنه قد يثير الشهوات والقوى الغضبية والشيطنة إلى العمل على مقتضياتها فهو من هذه الحيثية شر منه، ومن جهة أن المفاسد المترتبة على الكذب لا يقاس بالمفاسد المترتبة على الخمر لا بمعنى أن كل كذب كذلك بل بمعنى ملاحظة الطبيعتين في الجامعة البشرية، فمقنن القوانين لجميع عائلة البشر إذا نظر إلى الكذب ومفاسده بنحو الوجود الساري وإلى الخمر ومفاسدها كذلك يرى أن مفاسد الكذب أكثر وأعظم، لأن جميع الأديان الباطلة إنما حدثت وانتشرت بالكذب. والكذب الواحد قد ينتهي إلى خراب البلدان وقتل النفوس الزكية وانتهاك حرمات عظيمة.
وبالجملة لا تقاس المفاسد المترتبة على الكذب في الجامعة البشرية على المفاسد المترتبة على الخمر أو سائر المعاصي. لكن على هذا الاحتمال لا يمكن اثبات حرمة الخمر بهذه الرواية فضلا عن كونها كبيرة فضلا عن اثبات حرمة الكذب أو كونه كبيرة في الجملة فضلا عن جميع مصاديقه، وذلك لأن تلك المفاسد لو كانت مترتبة على الخمر أو على الكذب ولو بنحو المسببية والمعلولية لما توجب حرمتهما لما قرر في محله من عدم حرمة مقدمة الحرام وإن كانت علة تامة فضلا عما إذا لم تكن كذلك كما في المقام، فإن الخمر ليست علة تامة لما ذكر بل تكون رافعة للموانع وكذا الكذب وإن كان بعض مصاديقه داعيا إلى اتيان المحرم