وأما أصالة الصحة المتشبث بها للمقصود فإن كان المراد منها أصالة الحمل على المباح في دوران الأمر بين حرمة العمل وحليته فيقال: إن تصرف الجائر في الجائرة بنحو الإجازة في التصرف فيها أو الاعطاء لها محمول على الإباحة الواقعية ولازمها ملكيته ونفوذ إجارته وتمليكه فيدفع بها احتمال حرمة تصرف المجاز واحتمال عدم النقل إليه والأصول الحكمية محكومة لأصالة الصحة ولو قيل بعدم حكومتها على الأصول الموضوعية لما عرفت من عدم جريانها فليس في المقام إلا أصالة حرمة التصرف وأصالة عدم الانتقال.
فيمكن أن يناقش فيها بأن المحرز من بناء العقلاء على اعتبار أصالة الصحة وكذا الأدلة الشرعية التي يظهر منها مفروغية اعتبارها في الأبواب المتفرقة الكثيرة كجواز الاكتفاء بتجهيز الميت الصادر من المسلم مع احتمال فساده، والأدلة المرغبة إلى الجماعة مع احتمال بطلان صلاة الإمام والمأمومين الحائلين في الصفوف، وأدلة تنفيذ الوكالة وجواز ترتيب الآثار على فعل الوكيل وكذا الوصي إلى غير ذلك من الأدلة الظاهرة في جواز الاتكال على فعل الغير من أول الفقه إلى آخره، وقلما كان في الفقه موضوع نحو أصالة الصحة في وفور الأدلة على اعتباره وإن لم يكن شئ منها بعنوانها لكن يعلم منها مفروغيتها هو حمل الفعل الذي له جهة صحة وجهة فساد على الصحة الواقعية مع الشرائط المقررة في محله.
فبناء العقلاء على ترتيب آثار الصحة على أفعال تقع تارة صحيحة وأخرى فاسدة كالعقود والايقاعات وكانوا يشهدون على ما ملكه الغير ببيع وصلح ونحوهما ويتزوجون المطلقات ولا يعتدون باحتمال الفساد، ولم يحرز بنائهم على حمل فعل مردد بين الحرمة والحلية التكليفية على الحلية الواقعية فيحلفون على كون فعله حلالا و يشهدون عليه مع احتمال الحرمة بل خلافه محرز إذ الدوران بين الحرمة والحلية ليس من دورانه بين الصحة والفساد بالمعنى المتقدم الذي هو موافق للعرف والاعتبار، وهذا العنوان وإن لم يكن موضوع دليل لفظي بل هو عنوان مأخوذ في كلام الفقهاء، لكن يمكن الاستيناس به لاختصاص حجيتها بالمورد المتقدم.