مضافا إلى أن الناظر في الأخبار الواردة في عدم جواز الفتيا بغير علم والقضاء (1) كذلك، وما ورد من نحو قوله: " بين رشده، وبين غيه "، (2) وغير ذلك مما وردت في العلم يقطع بأن المراد منه فيها على كثرتها كتابا سنة وليس خصوص العلم الوجداني بل الأعم منه ومما حصل من ظاهر الكتاب والسنة، فمن أفتى بظاهر الكتاب والسنة وقضى على موازين القضاء أفتى وقضى بعلم، وبين الرشد ما دل الدليل الشرعي على رشده لا خصوص ما علم وجدانا وكذا المراد من الريب والشك والجهل ونحوها المقابل له ليس الوجداني منها، فعليه تكون أدلة اليد وسائر الأمارات حاكمة أو واردة على مثل تلك الروايات ومعدمة لموضوعها تعبدا وتحكيما كما أن الريب من جهة الشبهة الحكمية مدفوع بمثل حديث الرفع الحاكم عليها.
نعم يبقى سؤال قلة المورد أو فقدانه في تلك الأدلة، وللكلام فيه محل آخر.
وكيف كان اثبات الكراهة الشرعية بها: غير وجيه.
نعم يمكن الاستدلال لها في بعض تلك العناوين المتقدمة أو جميعها ببعض روايات خاصة كرواية حريز (3) ولا يبعد صحتها إذ ليس في سندها ما يناقش فيه إلا سهل بن زياد وهو سهل، وفي طريق الكافي بدل حريز حديد وهو ابن حكيم الثقة " قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول اتقوا وصونوا دينكم بالورع وقووه بالتقية و الاستغناء بالله عز وجل عن طلب الحوائج إلى صاحب السلطان أنه من خضع لصاحب سلطان ولمن يخالفه على دينه طلبا لما في يديه من دنياه أخمله الله عز وجل ومقته عليه، ووكله إليه، فإن هو غلب على شئ من دنياه فصار إليه منه شئ نزع الله جل اسمه البركة منه ولم يأجره على شئ منه بفقه في حج ولا عتق ولا بر ".
فإن الظاهر من صدرها استحباب الاستغناء عن طلب الحوائج من صاحب السلطان