أيضا بما دل على أن الهزل محرم، كمرسلة سيف بن عميرة (1) عن أبي جعفر عليه السلام " قال:
كان علي بن الحسين عليه السلام يقول لولده: اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل " ورواية الأصبغ بن نباتة (2) " قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجد عبد طعم الايمان، حتى يترك الكذب، هزله وجده " بدعوى أن الهزل مقابل الجد، والجد اخبار حقيقة، والهزل ليس باخبار جدا، بل القاء الجملة الخبرية، لا بداعي الاخبار، بل بداعي المزاح والهزل، فلا يكون له واقع لا يطابقه.
ودعوى أن المراد من الكذب هزلا الاخبار عن الواقع بداعي الهزل: خلاف الظاهر، لأن الاخبار الحقيقي جد، لأي غاية كان، فالهزل المقابل له هو ما لا يكون اخبارا جدا، لا أنه اخبار جدا لغاية الهزل، فاتضح منها أن ما يفيد فائدة الخبر كذب في عالم التشريع، وإن لم يكن اخبارا عن الواقع هذا غاية ما يمكن الاستشهاد عليه لا لحاق غير الكذب به انشاء كان أو فعلا.
ويمكن المناقشة في الأول، بأن القاء الخصوصية إنما هو في موارد يفهم العرف أن الموضوع الملقي ليس موضوعا للحكم، وإنما أتى به للمثالية، أو لجري العادة، ونحو ذلك، كقوله: " رجل شك بين الثلاث والأربع " (3); وقوله: " أصاب ثوبي دم رعاف " (4) أو " رجل أفطر يوما من شهر رمضان " (5) ونظائرها مما يرى العرف أن الحكم للشك والدم والافطار، لا للرجل والثوب، وأما إذا كان الحكم متعلقا بموضوع وأريد اسرائه منه إلى موضوع آخر بوجوه ظنية كما نحن فيه، حيث تعلق الحكم على الكذب، ولا يفهم العرف منه غيره، لكن أريد اسرائه منه إلى ما يفيد فائدته،