أي كان لازما فيه أن يكون المكره مقهورا في اختياره بمعنى أنه ما اختاره إلا للخوف عن مخالفة أمر الجائر وعدم اختياره وإرادته له تارة لأجل كراهته له و منفوريته لديه وأخرى لكونه مخالفا لصلاحه وإن كان مشتاقا إليه كمال الاشتياق كالمشتهيات التي يتركها المؤمن خوفا من عذاب الله فإنه مع كمال اشتياقه بها يحمله العقل والدين على تركه.
والظاهر أن توهم اعتبار ذلك نشأ من توهم أن الإرادة عبارة عن الشوق التام في طرف الفعل والكراهة التامة في جانب الترك أو أنهما من مباديها دائما، ولهذا أن بعض أهل التحقيق لما رأى أن في الأفعال الصادرة من الفاعل ما لا يتعلق به الشوق بل يتنفر منه كمال التنفر ومع ذلك يريده ويوجده كقطع يده ورجله للعلاج والانتحار لأجل بعض الدواعي الفاسدة قال: بعد جعل الإرادة عبارة عن الشوق المتأكد: ما من فعل إرادي إلا ويصدر إما عن شوق طبيعي أو شوق عقلي وقال أيضا: إذا اشتد الشوق العقلي وغلب على الكراهة الذوقية فلا محالة يشرب الدواء وأنت خبير بما فيه من التكلف وعدم الموافقة للموازين العقلية لمحض توهم أن الإرادة هي الشوق المتأكد مع أن أصل المبنى فاسد، فإن الإرادة من القوى الفعالة الحاملة على الفعل والمحركة للعضلات نجوه والشوق والحب والبغض و الكراهة من الأمور التي لا فعالية لها فالشوق لا يكون محركا للعضلات بلغ ما بلغ من الشدة والإرادة كثيرا ما تتعلق بأشياء مع كمال الكراهة ومع فقدان الشوق رأسا.
وادراك العقل المصلحة وترجيح الفعل على الترك بالقضاء العقلي أو القوة الحاكمة والقاضية غير الشوق الذي ينفعل النفس به لا بمعنى فعاليته بل بمعنى عروضه لها وليس الاشتياق من شؤون العاقلة بل العقل مدرك للمصالح والمفاسد ولا يليق به الحب والبغض وأضرابهما من الانفعاليات.
وما في مسفورات أهل النظر من نسبة الشوق ونحوه إلى المبدء تعالى جده لا بد من تأويله كما ورد في الكتاب والسنة من أشباه ذلك مما لا يليق بظاهرها بساحة