ولهذا لو فرض اعتقادهم بترتب تلك الآثار المطلوبة على أفعالهم من غير توسيط فاعل ومن غير ربط أو إضافة إلى أحد لا وجدوها طمعا للآثار وحرصا على الشهوات والمستلذات.
فلو فرضنا أن مفاتيح الجنة والنار بيد عدو الله الشيطان الرجيم " والعياذ بالله " وكان هو معطي الجنة ومدخل النار وكانت طاعة الله تعالى وعصيانه بلا جزاء أصلا، لكنه تعالى أمر أن يعبدوه، بلا جزاء وأن لا يعصوه بلا عقاب على عصيانه وأمر بمخالفة الشيطان ونهى عن طاعته وكان الشيطان أمر بمخالفة الله تعالى ونهى عن طاعته وأعطى للمخالفين له تعالى الجنة وأدخل المطيعين له تعالى النار: لعلم أولو الألباب أن المطيع لله تعالى على الفرض كالكبريت الأحمر أو أندر منه.
ولعمري إن هذا واضح لمن تأمل في غايات أفعاله وتدبر في حالات نفسه و مكائدها وليس هذا معنى دقيقا عرفانيا خارجا عن فهم الناس بل شئ يعرفونه مع التنبيه على المحرك الأصلي في الأعمال وتميزه عن غيره.
فالإضافة إليه تعالى إما ساقطة رأسا وكان المحرك التام هو رجاء الوصول إلى المشتهيات النفسانية والنيل إلى الشهوات والأهواء أو الخوف من التبعات والعذاب، كما أن الأمر كذلك بحسب النوع، أو لها نحو دخالة ضعيفة أو قوية على حسب مدارج العاملين وهو مقام المتوسطين، وأما الخلوص التام فلا يناله الأكمل الأولياء بل لا يصدقه إلا الأوحدي من الناس، جعلنا الله منهم، وعصمنا الله من انكار مقامات أوليائه عليهم صلواته.
وإلى ما أشرنا إليه يشير ما ورد عن المعصومين (ع) من تقسيم العبادة تارة إلى عبادة الأجير وعبادة العبيد وعبادة الأحرار وأخرى إلى عبادة الحرصاء وهو الطمع والعبيد والأحرار، إذ من المعلوم أن الأجير لا يكون مطمح نظره في العمل إلا النيل بالأجر ويكون عمله خالصا لأجل الأجرة من غير دخالة الإضافات، والحريص يرغب إلى المال من أي طريق حصل ولا دخالة في اخماد نار حرصه للإضافات.
ومن كان ناظرا إلى إضافة الله وإلى كراهة المولى لا إلى متعلقاتها فهو