التمسك له بمطلقات أدلة التقية، لأن عنوانها غير صادق ظاهرا إلا على الخوف على ما يتعلق بالمتقي من النفس والعرض والمال سواء كان منه أو ممن يتعلق به الذي بمنزلته وأما الخوف على سائر الناس فليس مورد التقية، ولا هي صادقة عليه، فقوله " التقية ترس المؤمن وحرزه ": ظاهر في أنها حافظها عن توجه الضرر إليه فلا بد في المقام من التماس دليل آخر.
ربما يتمسك برواية الإحتجاج (1) عن أمير المؤمنين عليه السلام على جواز ارتكاب المحرمات ولو أعظمها كالتبري عنه عليه السلام وفيها " ولئن تبرء منا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها ومالها الذي به قيامها وجاهها الذي به تمسكها وتصون من عرف بذلك (من ظ) أوليائنا وإخواننا فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك وتنقطع به عن عمل في الدين وصلاح إخوانك المؤمنين، وإياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك و دماء إخوانك معرض لنعمتك ونعمتهم للزوال مذل لهم في أيدي أعداء دين الله، و قد أمرك الله باعزازهم فإنك إن خالفت وصيتي كان ضررك على إخوانك ونفسك أشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا ". وأنت خبير بأنها أخص من المدعى.
أما الفقرة الأولى منها فلا دلالة فيها على جواز البراءة فيما إذا خاف على مال مؤمن أو عرضه فإن قوله: " وتصون من عرف بذلك " (الخ) ظاهر في صيانة نفوسهم سيما مع ذكر النفس والمال والجاه بالنسبة إلى المتقي; فلو كان الخوف على غيره في المال والجاه كالخوف على نفسه فيهما لكان أولى بالذكر، ولا أقل من قصور دلالتها على جميع مراتب الخوف. وقوله " وصلاح إخوانك " عطف على قوله: " عن عمل في الدين " أي نتقطع عنه وعن صلاح إخوانك فلا ربط له بالمقام.
وأما الفقرة الثانية أي قوله: " وإياك ثم إياك " (الخ) فظاهرها من أولها إلى آخرها أنها مربوطة بزمان كان الشيعة في الأقلية التامة وفي معرض الزوال والهضم لو ترك التقية وفشى أمرهم، ولا شبهة في أن ضرر تركها والحال هذه أكثر من ضرر النصب