إن كان الاستعمال خطأ يتصف بالكاذب والصادق وإن ألقى الكلام بلا إرادة استعمال ألفاظه في معانيه بل لغاية فهم المخاطب العارف بالمعنى لا يكون كاذبا على اشكال ولو ألقى الكلام ليكون كل لفظ منه حاكيا عن معناه الواقعي فالظاهر الاتصاف إن أراد من الألفاظ معانيها الواقعية وإن لم يعرفها نظير الاستعمال في المعلوم بالاجمال أي واقعه المعلوم عند الله تعالى ومما ذكرناه من اعتبار الاستعمال في المعنى المخالف للواقع في الكذب لا يبقى اشكال في عدم كون التورية كذبا، ضرورة أن الموري استعمل الجمل في المعاني الموافقة للواقع ولو على خلاف قانون الوضع والمحاورات كاستعمال اللفظ المشترك في غير المعنى المسؤول عنه مثلا فإن قال في جواب قوله أزيد في الدار؟: ليس زيد في الدار مريدا غير ما في السؤال، أو قال: ليس في الدار مريدا غيره ليس كاذبا، لأن المستعمل فيه موافق للواقع فرضا، والظاهر المخالف له غير مستعمل فيه، بل لو استعمل الألفاظ في معانيها وأراد بحسب الجد غيرها بنحو من الادعاء لا يكون كاذبا وهو ظاهر، كما أن خلف الوعد ليس كذبا وهو معلوم، وكذا الوعد ولو مع اضمار عدم الانجاز لأنه انشاء لا اخبار، هذا جملة من الكلام في موضوعه.
وأما حكمه فحرمته في الجملة ضرورية لا تحتاج إلى إقامة الدليل عليها و إن كان في دعوى حكم العقل بها نظر فالأولى البحث عن خصوصيات أخر.
منها الظاهر أن الأدلة منصرفة عن الكذب عند نفسه مع عدم مخاطب بل الظاهر انصرافها عن التكلم به عند مخاطب لم يسمع الكلام لصممه أو لم يفهم معناه لعدم تميزه أو جهله به فإن المتكلم بالجملة الكاذبة عند المذكورين ليس بمخبر وإن صدر منه الكذب، والمنع عنه باحتمال أن يكون مراد الشارع عن المعنى عنه تنزه لسان المتكلم عن التقول بالكذب: احتمال عقلي غير مناف لانصرافها، وفي الروايات اشعارات وتأييدات لذلك كقوله: " الكاذب على شفا مخزاة وهلكة " (1) وقوله: " من كثر كذبه ذهب بهائه " (2) وقوله: " إن مما أعان الله به على الكذابين النسيان " (3) وقوله: " إن الكذاب يكذب حتى يجئ بالصدق فلا يصدق " (4)