وليس المتكلم مهديا وهاديا باعتبارين، لأن كلامه ليس هاديا له إلى الواقع أو إلى مدلوله التصديقي.
ويؤيد ذلك ما قال المحقق الطوسي رحمه الله (1) بلفظه: دلالة اللفظ كما كانت وضعية كانت متعلقة بإرادة المتلفظ الجارية على قانون الوضع، فما يتلفظ به ويراد به معنى ما، ويفهم عنه ذلك المعنى يقال: إنه دال على ذلك المعنى، وقول شارح حكمة الاشراق (2) فالدلالة الوضعية تتعلق بإرادة اللافظ الجارية على قانون الوضع حتى أنه لو أطلق وأراد به معنى وفهم منه لقيل إنه دال عليه وإن فهم غيره، فلا يقال إنه دل عليه.
وهما كما ترى ظاهران في أن الدلالة كما هي متوقفة على إرادة اللافظ متوقفة على فهم المخاطب فإذا لم يدل الكلام على مضمونه فعلا لا يعقل مطابقته للواقع ومخالفته، لكونهما متفرعتين على الحكاية والدلالة، ومع فقدهما لا يتصف الكلام بالصدق والكذب، والمتكلم بالصادق والكاذب بل لازم ذلك عدم الكذب في الأخبار التي لا تفيد المخاطب فايدة خبرية كقوله: السماء تحتنا لمن يعلم مخالفته للواقع.
فيعتبر فيه أن يكون الكلام دليلا وهاديا بالفعل إلى الواقع ومع العلم ليس كذلك.
ويمكن أن يناقش فيه بأن الكذب ليس عبارة عن مخالفة مضمون الجملة بعد الدلالة بهذا المعنى الذي ظاهر كلام العلمين المتقدمين أي بعد إرادة المتكلم وفهم السامع، بل الصدق والكذب عبارة عن موافقة مضمونها ومخالفته للواقع فحينئذ يقال: إن جملة " السماء تحتنا والسماء فوقنا " لا محالة يكون لهما مضمون ومعنى مع قطع النظر عن فهم السامع; وإلا لزم أن لا يفهم منهما معنى إلا على وجه دائر، فإذا كان لهما مضمون فلا محالة يكون معنى تصديقي لا تصوري ولازمه مخالفة الأولى للواقع دون الثانية وهما الصدق والكذب، فإذا صدرتا من المتكلم بنحو الجد يتصف لا محالة بالصادق والكاذب فالدلالة بالمعنى المتقدم غير دخيلة في صدق الكلام والمتكلم وكذبهما.