في الوجه المتقدم، وكذا المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي أن يكون النفي بلحاظ التحريم والاثبات بلحاظ الإيجاب، وهذا هو التناسب بين الفقرتين، لا ما ذكرناه في الوجه السابق، مضافا إلى أن نفي الموضوع في المقام بلحاظ نفي حكمه: غير صحيح، ولا يكون هذا مصححا لنفي الموضوع لخصوصية فيه، لأن الأغراض الأكيدة في عامة الناس قائمة بحفظ نفوسهم ونفوس من يتعلق بهم بحيث لولا الخوف من عذاب الله تعالى والجزاء الشرعي والعرفي في الحكومات والسياسات لكان كل شخص يهم بحفظ نفسه ونفس عائلته ومتعلقيه وإن توقف على إراقة الدماء بالغة ما بلغت.
ففي مثل المورد إذا نفى الشارع وجوب التقية إذا بلغت الدم ولم يحرمها:
لا شبهة في استعمال عامة الناس إلا من شذ منهم التقية لحفظ دمائهم بل لحفظ أعراضهم بل لا يبعد استعمالهم لحفظ أموالهم المهمة، ومع عدم منع استعمالها في الشريعة وكثرة تحققها لشدة اهتمام الناس بها لا يصح سلب الموضوع ادعاء، فالاخبار الادعائي بعدم تحقق شئ كثير الوجود خارجا وغير ممنوع شرعا لا مصحح له، وبالجملة نفي الموضوع بلحاظ نفي الحكم ليس صحيحا بنحو الاطلاق بل لا بد من ملاحظة خصوصيات الموارد، فقد يصح الدعوى، وقد لا تصح، والمقام من قبيل الثاني.
فإن قلت: فما تقول في قوله: " لا يمين في غضب " و " لا يمين لولد مع والده " و " لا للمرأة مع زوجها " (1) إلى غير ذلك مما هو كثير التحقق ويكون نفي الموضوع بلحاظ نفي الحكم وعدم الانعقاد.
قلت: في مثل هذه الموارد يكون المصحح لغوية وجود الموضوع فكان ما لا يترتب عليه أثر في الشرع ولا في العرف لا يكون موجودا فيصح تعلق النفي به، وأما المقام فيترتب على التقية آثار مهمة عند العقلاء هي حفظ نفوسهم وسائر أغراضهم.