إذا عقل شيئا كان هو وما عقله شيئا واحدا (1) فالعقل الأول لا يعقل شيئا لا عقل له بل يعقله عقلا نوعيا وحياه نوعيه وكانت الحياة الشخصية ليست بعادمة للحياة المرسلة فكذا العقل الشخصي ليس بعادم للعقل المرسل فإذا كان هذا هكذا فالعقل الكائن في بعض الحيوان ليس هو بعادم للعقل الأول وكل جزء من اجزاء العقل هو كل ما يتجزى به عقل فالعقل للشئ الذي هو عقل له هو الأشياء كلها بالقوة فإذا صار بالفعل صار خاصا وأخيرا بالفعل وإذا كان أخيرا بالفعل صار فرسا أو شيئا آخر من الحيوان وكلما سلكت الحياة إلى أسفل صار حيا دنيا خسيسا و ذلك أن القوى الحيوانية كلما سلكت إلى أسفل ضعفت وخفيت بعض أفاعيلها فحدث منها حيوان دنى ضعيف فإذا صار ضعيفا احتال له العقل الكائن فيحدث الأعضاء القوية بدلا عن قوته كما لبعض الحيوان أظفار ومخالب ولبعضه قرون ولبعضه أنياب على نحو نقصان الحياة فيه انتهى كلام المعلم الأول.
ولا يخفى ما فيه من التحقيق والتنوير لجميع ما ادعيناه وقررناه في هذا الفصل الا ان في بعض كلماته ما يحتاج إلى التفسير حذرا من غفلة الناظرين فيها عنه وعدم تفطنهم به فقوله لاختلاف حركات الحياة والعقل أراد به اختلاف الجهات العقلية التي في العقول الأولى كالوجوب والامكان والشدة والضعف واختلاف الحيثيات الناشئة من جهة قربها وبعدها عن المبدع الأول فالمراد بالحركة هاهنا