الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٦
فهذه الحجج الموروثة من القدماء كلها ضعيفه والحجة البرهانية هي التي اعتمد عليها الشيخ الرئيس في اثبات هذا المرام وهو ان الميل هو العلة القريبة لتحرك الجسم من حد إلى آخر في المسافة والمحرك للجسم إلى حد لا بد ان يكون معه فالموصل له إلى ذلك الحد يجب وجوده عند وجود الوصول فإذا الميل الذي حرك المتحرك إلى حد من حدود المسافة لا بد من وجوده في آن الوصول ولا امتناع في ذلك إذ الميل ليس كالحركة غير آني الوجود بالضرورة ثم إذا رجع الجسم من ذلك الحد فلذلك الرجوع ميل آخر هو علة قريبه للرجوع لان الميل الواحد لا يكون علة للوصول إلى حد معين وللمفارقة عنه والميل حدوثه في الان (1) وليس آن حدوث الميل الثاني هو الان الذي صار الميل موصلا بالفعل لامتناع ان يحصل في الجسم الواحد في الان الواحد ميلان إلى جهتين مختلفتين فاذن حدوث الميل الثاني في غير الان الذي صار فيه الميل الأول موصلا بالفعل وبينهما زمان يكون الجسم فيه ساكنا وهو المطلوب.
أقول هذه المقدمات كلها صحيحه لكن يجب ان يفهم المراد (2) من المفارقة في قوله لان الميل الواحد لا يكون علة للوصول إلى حد وللمفارقة عنه المفارقة الرجوعية أو الانعطافية لئلا ينتقض البرهان بالوصولات إلى حدود المسافة والمفارقات عنه إذ البرهان مختص بالحركات المختلفة المفتقرة إلى الميول المختلفة والميلان المختلفان لا شبهه في امتناع اجتماعهما في آن واحد لموضوع واحد.

(1) فحيث اخذ الميل مبدء البرهان وهو آني لأنه كيفية ملموسة بها يدافع الجسم ما يمانعه والكيف آني بدليل وقوع حركه فيه لم يتوجه عليه ما توجه على ما سبق من أن المباينة حركه وحركه زمانية ليس لها ابتداء بمعنى الجزء الأول في آن أول وإن كان لها ابتداء بمعنى انقطاعها بالمتباين بالنوع وانقطاع زمانها في جانب البداية بالآن الذي هو طرف زمان المماسة س ره (2) لا من باب التخصيص في الدليل العقلي بل لان المفارقة الرجوعية اعراض عما إليه الحركة الأولى بقول مطلق بخلاف المفارقات في حدود المسافات فإنها ليست اعراضات عن المنتهى س ره.
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست