واحكم سبيل والناس يتحيرون في أن الواجب الوجود إذا لم يتغير ولم ينسح له صفة فكيف يحصل الحوادث ولا يكون الانسان معتمدا إليه في البحث ما لم يتيقن هذه المسألة وأخواتها وإذا ثبت مسألة العلة والمعلول صح البحث وان ارتفعت ارتفع مجال البحث ومع القدرة العبثية الجزافية لا يبقى للباحث كلام ولا يثبت معها معقول أصلا.
قال بعض العرفاء قول القائل العالم قديم بالزمان هوس محض لا طائل تحته إذ يقال له ما الذي يعنى بالعالم فاما انه يقول عنيت به الأجسام كلها كالسماوات والأمهات واما انه يقول عنيت به كل موجود سوى الله فان عنى بذلك المعنى الثاني فعلى هذا كثير من الموجودات المندرجة تحت لفظ العالم غير متوقف الوجود (1) على الزمان وان عنى به المعنى الأول فلم يجز أيضا لان معناه ان الأجسام موجودة مذ كان الزمان موجودا وهذا مشعر بان الزمان (2) سابق على الأجسام في الوجود وليس كذلك فان الأجسام سابقه الوجود على الزمان والزمان متأخر عنها وإن كان ذلك بالرتبة والذات وان قال ليس المراد هذا ولا ذاك فنحن لا نعلم من قوله الا ما فهمنا وقد تكلمنا على ما فهمناه واما ما لم نفهمه من مقصده فالكلام عليه من شان العميان وان زعم أن الأجسام موجودة منذ كان الحق موجودا فهو خطا عظيم لان الأجسام لا توجد أصلا حيث يوجد الحق لا الان ولا قبله ولا بعده و من صار إلى أن العالم موجود الان مع الحق فهو مخطئ خطئا عظيما فحيث الحق بأحدية ذاته لا زمان ولا مكان وان لم يخلو منه زمان ولا مكان ولا ذره من ذرات العالم