ولا يقول لواحد منهما تكلم، لأنه إذا أفرده بالخطاب، كسر قلب الآخر.
وإذا ابتدء أحدهما بالكلام وجعل يدعي على خصمه، منع الأخير من مداخلته، لأنه يفسد عليه نظام الدعوى.
وأقل ما على الحاكم، أن يمنع كل واحد من أن يقال من عرض صاحبه، لأنه جلس للفصل والانفصال بين الناس، وأقل ما عليه أن لا يمكن أحدهما من ظلم الآخر ولا من الحيف عليه. ولا يجوز له أن يضيف أحد الخصمين دون صاحبه، إما أن يضيفهما معا أو يتركهما معا.
ولا يجوز له أن يرتشي في الأحكام، لأن الراشي والمرتشي ملعونان، وذلك حرام على المرتشي على كل حال ووجه، فإن كان الراشي قد رشاه على تغيير (1) حكم أو إيقافه فهو حرام على ما قدمناه، وإن كان لإجرائه على رسم له أو واجبه، لم يحرم عليه ذلك.
وأما الهدية، فإن من لم يكن له بمهاداته عادة حرم عليه قبولها، فإن كان من جرت له بمهاداته عادة كالصديق والملاطف والقريب، فأهدى إليه هدية تتعلق بحكومة بينه وبين غيره، أو أحسن بأنه قدمها بالحكومة بين يديه، حرم ذلك عليه كالرشوة، وإن لم يكن شئ من ذلك جاز قبولها والأفضل له أن ينزه عن أخذها.
وإذا حضر مسافرون ومقيمون وكان الذي سبق هم المسافرون، قدمهم، لأنه ينبغي أن يقدم السابق من أهل البلد وكذلك المسافر، بل هو أولى. وإن وافدا معا أو تأخر المسافرون فإن كان بهم قلة من حيث لا يضر تقدمهم بأهل البلد، كان مخيرا بين تقديمهم وبين أن يفرد يوما يفرغ فيه من حكوماتهم، لأن المسافر على شرف السفر والرجل يكثر شغله ويزدحم حوائجه، فلهذا قدم. وإن كانوا مثل المقيمين أو أكثر كأيام الموسم في مكة والمدينة كانوا هم والمقيمين سواء، لأن في تقديمهم إضرارا بأهل البلد وفي تأخيرهم إضرارا بهم، فكانوا سواء.