فيها الرسول بمقام وصيه فقد كان طول حياته ينوه بوصايته وخلافته، من بدء إظهار الدعوة إلى مرضه الذي توفي فيه.
كان الإمام أفضل الناس وأمثلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يبلغ شأوه أحد من الصحابة، ولم يكن يوم ذاك رجل أليق بزعامة الأمة وقيادتها منه.
غير أن قريشا قد تمالأت على تداول الخلافة في قبائلها، واشرأبت إلى ذلك أطماعها فتصافق الأغلب منهم على تناسي النص، وأجمعوا على صرف الخلافة من أول أيامها عن وليها المنصوص عليه.
نعم تصافقت مع علي عليه السلام ثلة جليلة من الشخصيات البارزة من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان فبقوا على منهاج نبيهم ولم يرضوا إلا بولايته وخلافته التي صدع بها نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، ولم يبايعوا غيره ونصروا إمامهم بتضحية نفوسهم وبذل أموالهم وقد حفظ التاريخ أسماءهم وما لهم من مواقف، غير أن شيعة علي تحفظا للوحدة والوئام خطوا خطوة إمامهم من ترك التعرض لمتقمصي الخلافة، والمماشاة معهم في مهام الأمور ومصالح الدين والمسلمين.
ولم ير الإمام بدا لحفظ مصالح الدين من تسليم الأمر إلى المجلبين على الخلافة فلزم عقر داره مدة تربو على خمسة وعشرين عاما إلى أن رجعت إليه الخلافة، فتصافقت على قيادته وزعامته جبهة الأنصار والمهاجرين وألقوا إليه مقاليد الخلافة، فأحيا الإمام عليه السلام سنة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في عدله وإنصافه ومساواته بين الناس ولم يكن لأحد فيه مطمع، ولا عنده هوادة، ولم يكن يقيم وزنا لغير الحق، ولم يحكم بين الأمة إلا بالحق والعدالة، وهذه الحكومة الإلهية وإن لم تطل أيامها ولم تتجاوز خمسة أعوام، وانتهت باغتياله عليه السلام إلا أنها كانت مثالا نموذجيا لحكومة الحق والعدالة والمثل الراقية، وهذه خطبه ورسائله توقفنا على أصالة رأيه وسداد منطقه وعدله.