عن الإلهيات من دون النظر إلى ما جاءت به المناهج المادية بحث مبتور.
فالمتعلم على الطراز السابق إذا جادل العالم المادي ربما يقع فريسة لأفكاره الضارية، أو يعود شاكا فيما يعتقده، أو تتجلى الأصول العقيدية عنده بمظهر الوهن وعدم الرصانة. مع أن ما اعتمد عليه المادي أسس سرابيه لكنها خادعة، لا يعرف خداعها إلا المطلع على ما تسلح به المادي.
وأما ثالثا: فمشكلة العرض في الكتب الكلامية ملموسة جدا. فإنهم عرضوا أفكارهم بتعقيد وغموض، ربما لا يتحملها ذوق الطالب المعاصر في العصر الحاضر، الذي يطلب أن يكون المعقول كالمحسوس. فلأجل ذلك نرى المتون محشاة بالحواشي والحواشي مطرزة بالتعاليق، وما ذلك إلا لأن المتأخر يرى نقصا واضحا في كتاب المتقدم فيقوم بتكميله على نحو ربما يوجب غموضا فوق غموض.
وأما رابعا: فإن أكثر الكتب الكلامية ألفت لبيان منهج خاص يرتضيه المؤلف، فصارت قاصرة عن بيان سائر الأنظار والمناهج الذي نعبر عنه بالبحث المقارن.
كانت هذه العوامل تجيش في ذهني لأقوم بما هو الواجب علي في الأحوال الحاضرة، وقد خدمت هذا العلم منذ شرخ الشباب إلى أن نيفت على الستين، وقد رأيت أن ترك ذلك ربما يكون تقاعدا عن حكم الله سبحانه، وتقاعسا عن الواجب، فقمت بإلقاء هذه المحاضرات في جامعة العلوم الإسلامية ب " قم " المقدسة، بعد ما ألفت دورات كبيرة وصغيرة في العقائد والأصول. وأرجو منه سبحانه أن يهديني إلى مهيع الحق، ويصدني عن الجور في الحكم، أو الصدور عن عاطفة وهوى، والله سبحانه هو الهادي إلى الحق اللاحب.