خاتمة المطاف قد تعرفت على مقدمات برهان الإمكان وأن الاستنتاج منه متوقف على امتناع الدور والتسلسل، ولولا تسليم امتناع هذين الأمرين، لأصبح القياس عقيما والبرهان غير منتج. والذي نركز عليه هنا هو أن كل ما استدل به على إثبات الصانع لا يكون منتجا إلا إذا ثبت قبله امتناع الدور والتسلسل. ولولا هذا التسليم لكانت البراهين ناقصة، غير مفيدة.
مثلا: إن برهان النظم الذي هو من أوضح البراهين وأعمها لا يكون منتجا ودالا على أن للعالم خالقا واجبا، وأن سلسلة الكون منتهية إليه، إلا إذا ثبت قبله امتناع الدور والتسلسل. لأن النظام البديع آية كونه مخلوقا لعلم وسيع وقدرة فائقة يعجز الإنسان عن وصفهما وتعريفهما. وأما كون ذلك العلم واجبا وتلك القدرة قديمة، فلا يثبت بذلك البرهان. إذ من المحتمل أن يكون خالق النظام ممكنا مخلوقا لموجود آخر وهكذا، إما أن يدور أو يتسلسل. فإثبات كون النظام وسلسلة العلل والمعاليل متوقفة عند نقطة خاصة هي واجبة لا ممكنة، غنية لا فقيرة، قائمة بنفسها لا بغيرها، يحتاج إلى تسليم امتناع الدور والتسلسل كما هو واضح، فكأن المستدل ببرهان النظم أو سائر البراهين أخذ امتناعهما أصلا مسلما عند الاستدلال بها.
* * *