فليس من تلك الزمرة، وإنما هو من المنحرفين عن الفطرة السليمة الإنسانية.
وما ربما يحكى عن بعض العرفاء من أن الموجود الحقيقي هو الله سبحانه وما سواه موجود بالمجاز، فله معنى لطيف لا يضر بما قلناه، وهذا نظير ما إذا كان هناك مصباح في ضوء الشمس، فيقال إن الضوء ضوء الشمس ولا ضوء لغيرها، فهكذا وجود الممكنات، المفتقرات المتدليات بالذات، بالنسبة إلى واجب الوجود القائم بالذات.
الثانية: إن عالم الطبيعة خاضع لنظام محدد، وإن كل ما في الكون لا ينفك عن النظم والسنن التي كشفت العلوم الطبيعية عن بعضها، وكلما تطورت هذه العلوم خطى الإنسان خطوات أخرى في معرفة الكون والقوانين السائدة عليه.
الثالثة: أصل العلية، والمراد منه أن كل ما في الكون من سنن وقوانين لا ينفك عن علة توجده وأن تكون الشئ بلا مكون وتحققه بلا علة، أمر محال لا يعترف به العقل، بالفطرة، وبالوجدان والبرهان. وعلى ذلك فكل الكون وما فيه من نظم وعلل نتيجة علة أوجدته وكونته.
الرابعة: إن دلالة الأثر تتجلى بصورتين:
أ - وجود الأثر يدل على وجود المؤثر، كدلالة المعلول على علته، والآية على صاحبها، وقد نقل عن أعرابي أنه قال: " البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير "، إلى غير ذلك من الكلمات التي تقضي بها الفطرة. وهذه الدلالة مما لا يفترق فيها المادي والإلهي، وإنما المهم هو الصورة الثانية من الدلالة.
ب - إن دلالة الأثر لا تنحصر في الهداية إلى وجود المؤثر، بل لها دلالة أخرى في طول الدلالة الأولى، وهي الكشف عن خصوصيات المؤثر