يستعين في تحصيل العلم بعلم منفصل، وفي الايجاد بقدرة خارجة عن ذاته. وبالجملة إن التحرز عن تعدد القدماء أولا، وحاجته سبحانه في مقام الفعل إلى غير ذاته ثانيا، يجرنا - مع الاعتراف بأن له سبحانه أوصافا من علم وقدرة وغيرهما - إلى القول بعينية الصفات والذات.
بساطة الذات وتعدد الصفات كيف يجتمعان؟
لقد قادتنا البراهين السابقة إلى بساطة الذات الإلهية، وخلوها عن أي نوع من أنوع التركيب العقلي الخارجي وهنا يطرح هذا السؤال نفسه وهو:
كيف يجتمع تعدد الأسماء والصفات مع بساطة الذات؟ أليس يستلزم تعدد الصفات تركب الذات الإلهية من صفات متعددة؟.
والجواب عن ذلك بوجهين:
الأول: إن السؤال إنما يتوجه إذا كان كل واحد من هذه الصفات يشكل جزءا خاصا، ويحتل موضعا معينا من ذاته سبحانه وحينئذ يمكن القول بأنه يستلزم التركيب في ذاته سبحانه. ولكن إذا قلنا بأن كل واحد من هذه الصفات يشكل تمام الذات برمتها وأسرها، فحينئذ لا يبقى مجال لتصور التركيب في شأنه تعالى، إذ لا يمتنع كون الشئ على درجة من الكمال يكون فيها كله علما، وكله قدرة، وكله حياة، دون أن تظهر أية كثرة في ذاته. نعم، لو كانت هناك كثرة، فإنما هي في عالم المفهوم دون الواقع الخارجي، إذ عندئذ تكون ذاته سبحانه مصداق العلم ومطابقه - وفي الوقت نفسه - مصداق القدرة ومطابقتها، بلا مغايرة ولا تعدد.
ولتقريب هذا المعنى نشير إلى مثال في عالم الممكنات وهو أن الإنسان الخارجي بتمام وجوده مخلوق لله سبحانه وفي الوقت نفسه معلوم له سبحانه. فمجموع الوجود الخارجي، كما هو مصداق لقولنا إنه مخلوق لله ومطابق له، مصداق ومطابق لقولنا إنه معلوم لله، من دون أن يخص جزء