عنها. وفي ظل ذلك ظهرت طوائف من المتكلمين بمناهج مختلفة، كل يحمل لواء الدفاع عن الإسلام، ومقاومة التيارات الإلحادية والثنوية. وقد نجحوا في ذلك نجاحا نسبيا وإن لم يتوفق في الوصول إلى الحق في جميع المجالات سوى القليل منهم (1).
نعم، كان هذا المقدار من النجاح جديرا بالإطراء، لأن هذه الصفوة من المتفكرين وقعت بين عدوين: داخلي وخارجي.
أما الأول: فهم أهل الحديث والقشريين والسطحيين من المسلمين الذين كانوا متأبين عن الخوض في المسائل العقلية، ويكتفون بما وصل إليهم من الصحابة، ويقتصرون على ما حصلوا عليه من الدين بالضرورة، وهم الحشوية من أكثر أهل الحديث والحنابلة أخيرا. وآفتهم عدم التفريق بين الحديث الصحيح والزائف، والكلام الحق والمفترى، والعقائد الإسلامية والبدع اليهودية والمسيحية المستوردة من طريق الأحبار والرهبان المستسلمين ظاهرا، والحاقدين عليه باطنا. حتى ظهر القول بالتشبيه والتجسيم، واعتناق ما ينبذه العقل الفطري بسبب هذه المرويات.
وأما العدو الخارجي: فهم الملاحدة والثنوية، فكانوا يعادون أهل التفكير من المسلمين لما يجدون فيهم من القدرة على الاحتجاج والمناطرة، ومع ذلك فقد ساد التفكير على المسلمين من القرن الثاني إلى العصور الأخيرة، فقام المفكرون بتأليف أسفار ضخمة حول العقائد والمعارف على المناهج التي استحسنوها وضبطوها.