كلاما في غير واحد من الآيات وهذه هي النظرية التي نذكرها فيما يلي:
ب - نظرية الحكماء: لا شك أن الكلام في أنظار عامة الناس هو الحروف والأصوات الصادرة من المتكلم، القائمة به. وهو يحصل من تموج الهواء واهتزازه بحيث إذا زالت الأمواج زال الكلام معه. ولكن الإنسان الاجتماعي يتوسع في إطلاقه فيطلق الكلام على الخطبة المنقولة أو الشعر المروي عن شخص، ويقول هذا كلام النبي أو إلقاء امرئ القيس، مع أن كلامهما قد زال بزوال الموجات والاهتزازات. وما هذا إلا من باب التوسع في الاطلاق ومشاهدة ترتب الأثر على المروي والمنقول.
وعلى هذا فكل فعل من المتكلم أفاد نفس الأثر الذي يفيده كلامه من إبراز ما يكتنفه الفاعل في سريرته من المعاني والحقائق، يصح تسميته كلاما من باب التوسع والتطوير. وقد عرفت أن المصباح وضع حينما وضع على مصداق بسيط لا يعدو الغصن المشتعل. ولكن لما كان أثره وهو الإنارة موجودا في الجهاز الزيتي والغازي والكهربائي أطلق على الجميع، ومثل ذلك الحياة على النحو الذي أوضحناه. فإذا صحت تلك التسمية وجاز ذلك التوسع في ذينك اللفظين، يجوز في لفظ " الكلام " فهو وإن وضع يوم وضع للأصوات والحروف المتتابعة الكاشفة عما يقوم في صمير المتكلم من المعاني، إلا أنه لو وجد هناك شئ يفيد ما تفيده الأصوات والحروف المتتابعة بنحو أعلى وأتم لصحت تسميته كلاما أو كلمة. وهذا الشئ الذي يمكن أن يقوم مقام الكلام اللفظي هو فعل الفاعل الذي يليق أن يسمى بالكلام الفعلي، ففعل كل فاعل يكشف عن مدى ما يكتنفه الفاعل من العلم والقدرة والعظمة والكمال. غير أن دلالة الألفاظ على السرائر والضمائر اعتبارية ودلالة الأفعال والآثار على ما عليه الفاعل والمؤثر من العظمة تكوينية.
ولأجل ذلك نرى أنه سبحانه يصف عيسى بن مريم بأنه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء ويقول: