حاجة الممكن إلى العلة تنحصر في حدوثه قالوا: إن سر حاجة الممكن إلى الواجب والمعلول إلى العلة هو حدوثه الذي يفسر بالوجود المسبوق بالعدم وانقلاب العدم إليه. فإذا حدث الممكن ترتفع الحاجة، لأن البقاء شئ والحدوث شئ آخر. إذ الحدوث لا ينطبق إلا على الوجود الأول القاطع للعدم. وأما الوجودات اللاحقة فلا تتصف بالحدوث بل تتصف بالبقاء. فعندئذ يكون الشئ في بقاء ذاته غير محتاج إلى العلة. فإذا كان هذا حال الذات، فكيف حال الأفعال، فلا يحتاج في أعماله إلى العلة.
ولأجل ذلك يفعل العباد أو يتركون بقدرة وإرادة من أنفسهم، ولا صلة في هذه الحال بين الذات والأفعال، والواجب الحكيم سبحانه.
يقول الشيخ الرئيس حاكيا عقيدة المفوضة: " وقد يقولون إنه إذا أوجد فقد زالت الحاجة إلى الفاعل حتى أنه لو فقد الفاعل جاز أن يبقى المفعول موجودا كما يشاهدونه من فقدان البناء وقوام البناء. وحتى أن كثيرا منهم لا يتحاشى أن يقول: لو جاز على الباري تعالى العدم لما ضر عدمه وجود العالم لأن العالم عندهم إنما احتاج إلى الباري تعالى في أن أوجده (أخرجه من العدم إلى الوجود) حتى كان بذلك فاعلا، فإذا جعل وحصل له الوجود من العدم، فكيف يخرج بعد ذلك الوجود عن العدم حتى يحتاج إلى الفاعل " (1).
تحليل هذا الأصل ونقده إن هذا الأصل الذي بنى عليه القوم نظريتهم في أفعال العباد، بل في أفعال وآثار كل الكائنات، باطل لوجوه نشير إليها:
الوجه الأول: إن مناط حاجة المعلول إلى العلة هو الإمكان أي عدم