ربما كانت نسبتها إلى الفاعل البعيد أقوى منها إلى الفاعل القريب، كما إذا كان الفاعل البعيد أقوى وجودا وأشد سلطة وإحاطة، وبذلك يظهر سر نسبة التعذيب الذي تباشره أيدي المؤمنين إلى نفسه ويقول:
* (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) * (1). كما يظهر أن القول بالتوحيد في الخالقية واستناد الحوادث وانتهائها إلى الله سبحانه لا يستلزم استناد القبائح إليه سبحانه، بل الأفعال التي تعتبر فيها خصوصيات المباشرة، كالنكاح والزنا والأكل المحرم والمحلل، فإنما تنسب إلى الإنسان فقط لأنه هو الموضوع المادي الذي يقوم بهذه الحركات وأما لذي يوجد هذا المتحرك الذي من جملة آثاره حركته - وليس الله بنفسه متحركا بهذه الحركات وإنما يوجدها إيجادا إذا تمت شرائطها وأسبابها فلا يتصف بأنواع هذه الحركات حتى يتصف بفعل النكاح أو الزنا أو أي فعل قائم بعضو من أعضاء الإنسان " (2).
وأنت إذا أمعنت في هذه الضابطة تقدر على التفريق بين ما يصح فيه الإسناد وما لا يصح، كما تقف على أن القول بالتوحيد في الخالقية على الوجه الذي فسرناه، لا يستلزم مضاعفات نظرية الأشاعرة، فإنها مبنية على إنكار رابطة العلية والمعلولية بين الإنسان وفعله، وفرض وجوده سبحانه قائما مقام جميع العلل، وسيوافيك ما يزيدك توضيحا عند البحث عن الجبر والاختيار.
الثنوية بأشكالها المختلفة إن التوحيد في الخالقية يقابله الاعتقاد بأن أمر الخلقة لا ينحصر بالله سبحانه بل هناك وراءه سبحانه خالقا أو خالقين مستقلين بأمر الخلقة يعتمدون على أنفسهم وقدرتهم من دون أن يستمدوا منه سبحانه أو يكونوا مؤتمرين