وهذه الأمور الثلاثة إذا قورنت بقوله سبحانه: * (قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار) * (1)، الذي يدل على بسط فاعليته وعليته على كل شئ، يستنتج أن النظام الامكاني على اختلاف هوياته وأنواعه فعال ومؤثر في آثاره، لكن بتقديره سبحانه ومشيئته وإذنه وهو القائل جل وعلا: * (الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) * (2) وقال تعالى: * (والذي قدر فهدى) * (3). فتنتهي وجودات هذه الأشياء وأعمالها وآثارها وحركاتها وسكناتها إلى قضائه وتقديره وهدايته وإجراء الأسباب في النظام الإمكاني.
فعلى هذا فالأشياء في جواهرها وذواتها وحدود وجودها وخصوصياتها تنتهي إلى الخلقة الإلهية، كما أن أفعالها التي تصدر عنها في ظل تلك الخصوصيات تنتهي إليه أيضا وليس العالم ومجموع الكون إلا مجموعة متوحدة، يتصل بعضها ببعض، ويتلاءم بعضها مع بعض، ويؤثر بعضها من بعض، والله سبحانه وراء هذا النظام ومعه وبعده، لا خالق ولا مدبر، حقيقة وبالأصالة، إلا هو، كما لا حول ولا قوة إلا بالله.
وبهذه النظرية - أي نظرية كون العالم مخلوقا على النظام السببي والمسببي وأن فيه فواعل اضطرارية كما أن فيه فواعل اختيارية - تتناسق الأمور الثلاثة وتتوحد نتائجها، وهذا بخلاف ما قلناه في النظرية الأولى، فإنها توجب التضاد بين الأمور الثلاثة المسلمة.
النظام الإمكاني نظام الأسباب والمسببات إن الامعان في الآيات الكريمة يدفع الإنسان إلى القول بأن الكتاب العزيز يعترف بأن النظام الإمكاني نظام الأسباب والمسببات، فلأجل ذلك ينسب الفعل الواحد إلى الله سبحانه وفي الوقت نفسه إلى غيره من دون أن يكون هناك تضاد في النسبة.