ثم قال (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: إن هذا اليهودي يعضه أسود في قفاه فيقتله.
فذهب اليهودي فاحتطب حطبا فاحتمله ثم لم يلبث أن انصرف. فقال له ضعه، فوضع الحطب: فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود.
فقال (صلى الله عليه وآله). يا يهودي ما عملت اليوم؟ قال ما عملت عملا إلا حطبي هذا فحملته فجئت به، وكان معي كعكتان فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة على مسكين. فقال رسول الله: بها دفع الله عنه. وقال: إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان (1).
وهناك نظائر لما مضى لا تخرج عن عدد الأصابع.
تبيين الحال في هذه الإخبارات الغيبية يقع الكلام في هذه الملاحم والأخبار الغيبية تارة من جهة أن الأنبياء كيف علموا بهذا الأمر الموقوف، ولم يعلموا بالأمر الموقوف عليه.
وأخرى أن هذا الإخبار مع عدم الوقوع كيف لا يعد تكذيبا لقولهم؟
أما الأول، فلا شك أن النبي إذا أخبر بشئ ثم حصل البداء في تحققه فلا بد أن يستند في إخباره إلى شئ يكون مصدرا لإخباره ومنشأ لاطلاعه. فيمكن أن يكون المصدر اتصاله بعالم اللوح والإثبات. فاطلع عليه ولم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع، لعدم إحاطة ذلك اللوح بجميع الأشياء.
كما أنه يمكن أن تتعلق مشيئته تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه، لحكمة داعية إلى إظهاره، فيلهم أو يوحي إلى نبيه مع علمه سبحانه بأنه يمحوه.
نعم، من شملته العناية الإلهية واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ تنكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها، وإن كان ذلك قليل كما يتفق ذلك لخاتم الأنبياء وبعض الأوصياء.