وبعبارة أخرى: إنه تعالى لما لم يكن مكانيا أيضا (كما أنه لم يكن زمانيا) كانت نسبته إلى جميع الأمكنة على السواء فليس بالقياس إليه قريب وبعيد ومتوسط. وعلى ذلك تكون نسبته إلى جميع الأشياء في جميع الأزمنة على السواء. فالموجودات من الأزل إلى الأبد معلومة له وليس في علمه " كان " و " كائن " و " سيكون "، بل هي حاضرة عنده بكل خصوصياتها لكن لا من حيث دخول الزمان فيها بحسب أوصافها الثلاثة، إذ لا تحقق لها بالنسبة إليه تعالى. ومثل هذا العلم لا يكون متغيرا بل مستمرا كالعلم بالكليات.
ولتقريب الذهن نأتي بمثال: إذا كان الشارع حافلا بالسيارات العابرة واحدة تلو الأخرى وكان هناك إنسان ينظر إليه من نافذة ضيقة. فإنه يرى في كل لحظة سيارة واحدة. فالسيارات حينئذ بالنسبة إليه على أقسام ثلاثة:
سيارة مرت، وسيارة تمر، وسيارة لم تمر بعد. وهذا التقسيم صحيح بالنسبة إليه في هذا الموضع.
ولكن لو كان هذا الإنسان ينظر إلى هذا الشارع من أفق عال، فإنه يرى مجموع السيارات دفعة واحدة ولا يصح هذا التقسيم بالنسبة إليه عندئذ.
وعلى ذلك الأصل فالموجود المنزه عن قيود الزمان وحدود المكان يقف على جميع الأشياء مرة واحدة، وتنصبغ الموجودات المتغيرة بصبغة الثبات بالنسبة إليه.
فالعلم في المثال الذي ذكر في بيان الشبهة من كون زيد جالسا في الدار ساعة ثم خروجه منها في ساعة أخرى، يتعلق بالجلوس والخروج مرة واحدة ولا معنى للتقدم والتأخر.
حل الشبهة بوجه آخر إن الشبهة قائمة على فرض كون علمه سبحانه بالأشياء علما حصوليا