الطائفة الثانية: المفرطون في أدوات المعرفة وهؤلاء يعتقدون بما وراء الطبيعة، غير أنهم يعتقدون بارتفاع قمم ذلك العالم وشموخها بحيث لا يمكن أن تبلغها العقول وتنالها الأفهام.
وهؤلاء يدعون أمرا ولا يأتون عليه بدليل، فإن عند العقل قضايا بديهية كما أن لديه قضايا نظرية منتهية إلى البديهية والقضايا البديهية صادقة بالبداهة في حق المادة وغير المادة، وكما أن العقل يستنتج في إنهاء القضايا النظرية في الأمور الطبيعية إلى البديهية، نتائج كانت مجهولة، فهكذا عمله في القضايا الراجعة إلى ما وراء المادة. وستقف على كيفية البرهنة على صفاته وأفعاله بهذا الطريق في ثنايا الكتاب.
الطائفة الثالثة: مدعو الكشف والشهود.
وهؤلاء يعتقدون أن الطريق الوحيد للتعرف على ما وراء الطبيعة هو تهذيب النفس وجعلها مستعدة لقبول الإفاضات من العالم الربوبي، وهذا في الجملة لا إشكال فيه، ولكن حصر الطريق بالكشف والشهود ادعاء بلا دليل. فلا مانع من أن تكون أدوات المعرفة متعددة من الحس والعقل والكشف.
الطائفة الرابعة: الحنابلة وبعض الأشاعرة وهؤلاء يعتقدون بأن الطريق الوحيد للتعرف على العالم الربوبي هو إخبار السماء، فلا يجوز لنا الحكم بوحدة الذات الإلهية أو كثرتها، وبساطتها أو تركبها، وجسمانيتها أو تجردها، إلا بالأخبار والأنباء الواردة من السماء. وقد عزب عن هؤلاء أن العقل عنصر سماوي موهوب من قبل الله تعالى للإنسان لاكتشاف الحقائق بشكل نسبي. قال سبحانه: * (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار