باستقلال العقل في مجال الحسن والقبح، حكمنا بصدقه، لقبح إعطاء البينات للمدعي الكذاب، لما فيه من إضلال الناس. وأما إذا عزلنا العقل عن الحكم في المقام، فلا دليل على كونه نبيا صادقا، والشرع بعد لم يثبت حتى يحكم بصدقه.
7 - الخاتمية واستمرار أحكام الإسلام إن استقلال العقل بالتحسين والتقبيح، بالمعنى الذي عرفت من الملاءمة للفطرة العلوية والمنافرة لها، أساس الخاتمية وبقاء أحكام الإسلام وخلودها إلى يوم القيامة. وذلك أن الفطرة مشتركة بين جميع أفراد البشر ولا تتبدل بتبدل الحضارات وتطور المدنيات، فإن تبدلها لا يمس فطرة الإنسان ولا يغير جبلته، فيصبح ما تستحسنه الفطرة أو تستقبحه خالدا إلى يوم القيامة، ولا يتطرق التبدل والتغير إليه.
8 - ثبات الأخلاق إن مسألة ثبات الأخلاق في جميع العصور والحضارات أو تبدلها تبعا لاختلاقها، مما طرح مؤخرا عند الغربيين ودارت حوله المناقشات وأبديت فيه الآراء، فمن قائل بثبات أصولها، ومن قائل بتبدلها وتغيرها حسب تغير الأنظمة والحضارات. ولكن المسألة لا تنحل إلا في ضوء التحسين والتقبيح العقليين الناشئين من قضاء الجبلة الإنسانية العالية والفطرة الثابتة، فعند ذاك تتسم أصول الأخلاق بسمة الثبات والخلود. وأما ما يتغير بتغير الحضارات فإنما هو العادات والتقاليد العرفية.
خذ على ذلك مثلا " إكرام المحسن "، فإنه أمر يستحسنه العقل، ولا يتغير حكم العقل هذا أبدا، وإنما الذي يتغير بمرور الزمان، وسائل الاكرام وكيفياته. فإذا، الأصول ثابتة، والعادات والتقاليد - التي ليست إلا لباسا للأصول - هي المتغيرة.