والأخلاق الذين فدوا أنفسهم في طريق إصلاح المجتمع وتهذيبه، وراحوا ضحية رقيه، توالوا على مدى القرون والأعصار ودعوا المجتمعات البشرية إلى الاعتقاد بالله سبحانه وصفاته الكمالية، ادعوا أن له تكاليف على عباده ووظائف وضعها عليهم، وأن الحياة لا تنقطع بالموت وليس الموت آخرها وآخر مقطع منها، وإنما هو جسر يعبر به الإنسان من دار إلى دار، ومن حياة ناقصة إلى حياة كاملة، وأن من قام بتكاليفه ووظائفه فله الجزاء الأوفى، وأما من خالف واستكبر فله النكاية الكبرى.
هذا ما سمعته آذان أهل الدنيا من رجالات الوحي والإصلاح، ولم يكن هؤلاء متهمين بالكذب والاختلاق، بل كانت علائم الصدق لائحة من خلال حياتهم وأفعالهم وأذكارهم. عند ذاك يدفع العقل الإنسان المفكر إلى البحث عن صحة مقالتهم دفعا للضرر المحتمل أو المظنون الذي يورثه مقالة هؤلاء. وليس إخبار هؤلاء بأقل من إخبار إنسان عادي عن الضرر العاجل أو الآجل في الحياة الإنسانية، فترى الإنسان العاقل يهتم بإخباره ويتفحص عن وجوده حتى يستريح من الضرر المخبر عنه.
وهذا ما اعتمد عليه علماء الكلام في إثبات لزوم البحث عن معرفة الله سبحانه. فأوجبوا هذا البحث دفعا لذاك الضرر المحتمل أو المظنون.
معرفة الله وشكر المنعم:
لا شك إن الإنسان في حياته غارق في النعم، فهي تحيط به منذ نعومة أظفاره إلى أخريات حياته، وهذا الشئ مما لا يمكن لأحد إنكاره.
ومن جانب آخر إن العقل يستقل بلزوم شكر المنعم، ولا يتحقق الشكر إلا بمعرفته.
وعلى هذين الأمرين يجب البحث عن المنعم الذي غمر الإنسان