وقبح الإساءة، ومنها ما يكون مقتضيا لأحدهما، فهو موجب للحسن لو لم يعرض عليه عنوان آخر، وهكذا في جانب القبح. وقد تقدم أن حسن الصدق وقبح الكذب من هذا القبيل. ومنها ما لا يكون علة ولا مقتضيا لأحدهما كالضرب، جزاء أو إيذاء.
* * * إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة وهي أن هناك أفعالا يستقل العقل بحسنها وقبحها، ويقضي بهما من دون أن يستعين بالشرع، ويرى حسنها وقبحها مضطردا في جميع الفاعلين، من غير اختصاص بالخالق أو المخلوق. وقد ذكرنا ملاك قضائه وهو ملاءمة الفعل أو منافرته للشخصية العلوية المثالية التي خلق الإنسان عليها.
ثم إن القول بالتحسين والتقبيح العقليين إنما يتم على القول بأن الإنسان فاعل مختار، وأما على القول بأنه مجبور في أفعاله، فالبحث عنهما منفي بانتفاء موضوعه، لأن شيئا من أفعال المجبور لا يتصف بالحسن ولا بالقبح عقلا. وبما أن الأشاعرة يصورون الإنسان فاعلا مجبورا، فلازم مقالتهم نفي التحسين والتقبيح العقليين، وسيوافيك كون الإنسان فاعلا مختارا غير مجبور، كما سيوفيك نقد ما استدل به الأشاعرة على مقالة الجبر (1).
التحسين والتقبيح في الكتاب العزيز إن التدبر في آيات الذكر الحكيم يعطي أنه يسلم استقلال العقل بالتحسين والتقبيح خارج إطار الوحي، ثم يأمر بالحسن وينهي عن القبيح.