وارتفاعهما كذلك. والعجب أن الحكماء والمتكلمين اتفقوا على أنه يجب انتهاء القضايا النظرية في العقل النظري إلى قضايا بديهية، وإلا عقمت الأقيسة ولزم التسلسل في مقام الاستنتاج، ولكنهم غفلوا عن إجراء ذلك الأصل في جانب العقل العملي ولم يقسموا القضايا العملية إلى فكرية وبديهية، أو نظرية وضرورية. كيف والاستنتاج والجزم بالقضايا غير الواضحة الواردة في مجال العقل العملي لا يتم إلا إذا انتهى العقل إلى قضايا واضحة في ذلك المجال. وقد عرفت أن المسائل المطروحة في الأخلاق، مما يجب الاتصاف به أو التنزه عنه، أو المطروحة في القضايا البيتية والعائلية التي يعبر عنها بتدبير المنزل، أو القضايا المبحوث عنها في علم السياسة وتدبير المدن، ليست في الوضوح على نمط واحد، بل لها درجات ومراتب. فلا ينال العقل الجزم بكل القضايا العملية إلا إذا كانت هناك قضايا بديهية واضحة تبتني عليها القضايا المجهولة العملية حتى يحصل الجزم بها ويرتفع الابهام عن وجهها. ولأجل ذلك نحن في غنى عن التوسع في طرح أدلة القائلين بالتحسين والتقبيح ولا نذكر إلا النزر اليسير منها.
فكما أنهم غفلوا عن تقسيم القضايا في الحكمة العملية إلى القسمين، فهكذا غفلوا عن تبيين ما هو الملاك لدرك العقل صحة بعض القضايا أو بطلانها في ذلك المجال. ويوجد في كلمات المتكلمين في بيان الملاك والمعيار أمور غير تامة يقف عليها من راجع الكتب الكلامية.
أدلة القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين الدليل الأول: هو ما أشار إليه المحقق الطوسي بقوله: " ولانتفائهما مطلقا لو ثبتا شرعا " (1). أي إنا لو قلنا بأن الحسن والقبح يثبتان من طريق الشرع، يلزم من ذلك عدم ثبوتهما بالشرع أيضا.
توضيحه: أن الحسن والقبح لو كانا بحكم العقل، بحيث كان العقل