نظرية العدلية في التوحيد في الخالقية إن هناك معنى آخر لحصر الخالقية بالله سبحانه ونفيها عن غيره بالمعنى الذي يناسب شأنه سبحانه، وما نذكره هو الذي يدعمه العقل ويوافقه القرآن وتعضده البحوث العلمية في الحضارات الإنسانية وإليك بيانه:
إن الخالقية المستقلة النابعة من الذات، غير المعتمدة على شئ منحصرة بالله سبحانه ولا يشاركه فيها شئ. وأما غيره سبحانه فإنما يقوم بأمر الخلق والإيجاد بإذن منه وتسبيب ويعد الكل جنود الله سبحانه يعملون بتمكين منه لهم ويظهر هذا المعنى من ملاحظة الأمور التالية:
أ - لا يشك المتأمل في الذكر الحكيم في أنه كثيرا ما يسند آثارا إلى الموضوعات الخارجية، والأشياء الواقعة في دار المادة كالسماء وكواكبها ونجومها، والأرض وجبالها وبحارها وبراريها وعناصرها ومعادنها والسحاب والرعد والبرق والصواعق والماء والأعشاب والأشجار والحيوان والإنسان إلى غير ذلك من الموضوعات الواردة في القرآن الكريم. فمن أنكر إسناد القرآن آثار تلك الأشياء إلى أنفسها فإنما أنكره باللسان، وقلبه مطمئن بخلافه. وقد ذكرنا نزرا من الآيات الواردة في هذا المجال.
ب - إن القرآن يسند إلى الإنسان أفعالا لا تقوم إلا به، ولا يصح إسنادها إلى الله سبحانه بلا واسطة، كأكلة وشربه ومشيه وقعوده ونكاحه ونموه وفهمه وشعوره وسروره وصلاته وصيامه. فهذه أفعال قائمة بالإنسان مستندة إليه، فهو الذي يأكل ويشرب وينمو ويفهم.
ج - إن الله سبحانه أمر الإنسان بالطاعة أمر إلزام، ونهاه عن المعصية نهي تحريم، فيجزيه بالطاعة ويعاقبه بالمعصية. فلو لم يكن للإنسان دور في ذلك المجال وتأثير في الطاعة والعصيان فما هي الغاية من الأمر والنهي، وما معنى الجزاء والعقوبة.