شأن من أفعال الله وشؤونه سبحانه مستقلا، لا ما إذ قام به بإذن الله وأمره، فلا يكون عندها ندا، بل عبدا مطيعا له مؤتمرا بأمره، منفذا لمشيئته تعالى، هذا.
وقد كان أخف ألوان الشرك وأنواع بين اليهود والنصارى والعرب الجاهليين اعتقاد فريق منهم بأن الله سبحانه فوض حق التقنين والتشريع إلى الرهبان والأحبار كما يقول القرآن الكريم: * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) * (1)، وأن الله فوض حق الشفاعة والمغفرة اللذين هما من حقوقه المختصة به - إلى أصنامهم ومعبوداتهم، وأن هذه الأصنام والمعبودات " مستقلة " في التصرف في هذه الشؤون، فهي شفعاؤهم عند الله، ولأجل ذلك كانوا يعبدونها، كما يقول عز من قائل: * (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * (2).
ولذلك أصرت الآيات القرآنية على القول بأنه لا يشفع أحد إلا بإذن الله، فلو كان المشركون يعتقدون بأن معبوداتهم تشفع لهم بإذن الله لما كان لهذا الاصرار على مسألة متفق عليها بين المشركين، أي مبرر. على أن ذلك الفريق من الجاهليين إنما كانوا يعبدون الأصنام لكونها تملك شفاعتهم، وأن عبادتهم توجب التقرب إلى الله، لا لكونها خالقة أو مدبرة للكون، وفي هذا يقول القرآن الكريم حاكيا مقالتهم: * (وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * (3).
زبدة المقال خلاصة القول في المقام إن أي عمل ينبع من الاعتقاد بأن الله سبحانه إله العالم أو ربه غني في فعله، ويكون كاشفا عن هذا النوع من التسليم المطلق، يعد عبادة له، ويكون صاحبه مشركا إذا فعل ذلك لغير الله.