إن وجود الإنسان متقدم على طبيعته وماهيته فهو يتكون بلا ماهية ويتولد بلا قيد. ثم إنه بفعله وعمله في ظل إرادته واختياره، يصنع لنفسه شخصية. وعلى ذلك فما اشتهر من وجود الميول والغرائز في الوجود الإنساني التي تضفي على وجود الإنسان لونا وصبغة وتوجد فيه انحيازا إلى نقطة وتمايلا إلى شئ، ليس بصحيح لأن الاعتراف بوجود هذه الغرائز، سواء أكانت علوية أو سفلية يزاحم اختياره وحريته، ويسلب منه الحرية التامة والتساوي بالنسبة إلى كل شئ.
فلأجل الحفاظ على حرية الإنسان وكونه موجودا فعالا بالاختيار وحرا في الانتخاب يجب إنكار كل عقيدة مسبقة (يريد نفي القضاء والقدر)، وكل مصير يجعله مسيرا. وهذا هو المراد مما اشتهر منهم بأن الإنسان يتكون بلا ماهية (1).
مناقشة النظرية إن للإنسان ماهيتين:
1 - ماهية عامة يتكون معها ويتولد بها.
2 - ماهية خاصة يكتسبها في ضوء إرادته عن طريق العمل.
عدم التفرقة بين الماهيتين دفعهم إلى الاعتقاد بتكون الإنسان وتولده مجردا عن كل صبغة طبيعية وسائقة ذاتية.
أما الطبيعة العامة، فهي عبارة عن الطاقات والمواهب الإلهية المودعة في وجوده وهي ميول طبيعية تسوقه إلى نقطة خاصة فيها سعادته أو شقاؤه وقد أعطى سبحانه، زمامها بيد الإنسان المختار في كيفية الاستفادة منها كما وكيفا. ونحن نعترف بأن هذه المواهب والاستعدادات توجد في نفس الإنسان محدودية خاصة وتحقق في وجوده انحيازا إلى جانب، ولكنها لا تعدو عن كونها قابليات واقتضاءات وأرضيات لأهداف خاصة، ولكن زمام