الاختيار فيها بيد الإنسان المختار فله أن يتطلب بهذه المواهب ما شاء. كما له أن يترك الاستفادة منها، بل له أن يكافحها.
والذي يدل على ذلك ما كشف عنه العلم من أن الإنسان يتولد وفيه طاقات وسوائق متضادة ومختلفة، وكل يطلب منشودا خاصا، ولولا هذه الطاقات المتضادة لما وصل الإنسان إلى قمة التكامل مثلا:
الإنسان جبل على حب النفس، ويظهر هذا منه من نعومة أظفاره، وفي الوقت نفسه جبل على حب الخير ويظهر بعد سنين من حياته. فالإنسان المختار يستفيد من تلك الميول الطبيعية على حد لا يجعله حب الذات حيوانا ضاربا، كما لا يجعله حب الخير إنسانا تاركا ومهملا لحياته.
فالحفاظ على حرية الإنسان يتوقف على إنكار الفطريات والغرائز بل يكفي في ذلك القول بأن للإنسان ماهية عامة موجودة في جميع الأفراد ليس للإنسان في الانطباع بها أي صنع ودخالة. وماهية خاصة، يستحصلها عن طريق العمل كما سنشرحه.
وأما الطبيعة الخاصة، فهي عبارة عما يتكون في نفس الإنسان من الروحيات العالية أو الدانية نتيجة استفادته من تلك المواهب الأولية، إفراطا أو تفريطا أو اعتدالا. مثلا قد أودعت يد الخلقة في وجود الإنسان ميولا سافلة كالغضب. وفي الوقت نفسه أودعت ميولا عالية كالرحمة والرأفة.
فربما يتجلى الإنسان في مسرح الحياة سبعا ضاريا لإفراطه في أعماله قوة الغضب، كما قد يتجلى إنسانا مهملا تاركا لحقوقه الفردية والاجتماعية وفريسة للمعتدين لتفريطه في أعمالها. وقد يتجلى إنسانا مثاليا يستفيد منها على حد الاعتدال بالموازنة مع جانب الرحمة والرأفة فيدفع عن نفسه الاعتداءات وفي بعض الأحيان يؤثر غيره ويقوم بحاجات بني نوعه. فهناك شخصيات ثلاث تتكون في الفرد الإنساني حسب إعماله تلك الموهبة الإلهية. وقس عليه سائر الميول والغرائز عالية كانت أو سافلة، إنسانية كانت أو حيوانية.