يصدر منه القبيح، ولا الاخلال بما هو حسن.
وبعبارة أخرى: إن العقل يكشف عن أن المتصف بكل الكمال، والغنى عن كل شئ، يمتنع أن يصدر منه الفعل القبيح، لتحقق الصارف عنه وعدم الداعي إليه، وهذا الامتناع ليس امتناعا ذاتيا حتى لا يقدر على الخلاف، ولا ينافي كونه تعالى قادرا عليه بالذات، ولا ينافي اختياره في فعل الحسن وترك القبيح، فإن الفعل بالاختيار، والترك به أيضا. وهذا معنى ما ذهبت إليه العدلية من أنه يمتنع عليه القبائح. ولا يهدف به إلى تحديد فعله من جانب العقل، بل الله بحكم أنه حكيم، التزم وكتب على نفسه أن لا يخل بالحسن ولا يفعل القبيح. وليس دور العقل هنا إلا دور الكشف والتبيين بالنظر إلى صفاته وحكمته.
وباختصار: إن فعله سبحانه - مع كون قدرته عامة ليس فوضويا ومتحررا عن كل سلب وإيجاب، وليس التحديد مفروضا عليه سبحانه من ناحية العقل، وإنما هو واقعية وحقيقة كشف عنه العقل، كما كشف عن القوانين السائدة على الطبيعة والكون. فتصور أن فعله سبحانه؟ تحرر عن كل قيد وحد، بحجة حفظ شأن الله سبحانه، وسعة قدرته، أشبه بالمغالطة، فإن حفظ شأنه سبحانه غير فرض انحلال فعله عن كل قيد وشرط.
وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر ضعف سائر ما استدل به القائلون بنفي التحسين والتقبيح العقليين. ولا بأس بالإشارة إلى بعض أدلتهم التي أقامها المتأخرون عن أبي الحسن الأشعري.
الدليل الثاني: لو كان التحسين والتقبيح ضروريا لما وقع الاختلاف قالوا: لو كان العلم بحسن الاحسان وقبح العدوان ضروريا لما وقع