الخامسة: قد بذلنا العناية البالغة في الاستدلال بالآيات القرآنية، وأحاديث العترة الطاهرة الذين عرفهم الرسول قرناء للكتاب وحلفاءه في حديث الثقلين. والاستدلال بالكتاب والحديث تارة على نحو الاستلهام، وأخرى على نحو الاستدلال. وموقفهما في مجال الاستلهام موقف المفكر الذي يطرح فكرته مع البرهان ويدليه إلى المخاطب من دون إعمال تعبد منه، كما هو الحال في البراهين التي أقامها القرآن في مجال إثبات الصانع ونفي الشريك عنه. فنعتمد على ما ذكره لا بما أنه كتاب سماوي جاء من جانبه سبحانه إذ المفروض أنه بعد لم تثبت المسائل المتقدمة عليه، فكيف يمكن أن يتخذ حجة، بل بما أن كلامه مشتمل على برهان يكفي في إثبات المطلوب سواء أكان ذلك البرهان بصفة كلامه تعالى أولا. ولأجل ذلك نعرف القرآن بصفة الاستلهام، فكأنه بمنزلة المعلم يأخذ بيدي متعلمه ويرشده إلى آماله.
وموقفهما في مجال الاستدلال موقف من ثبت حجية قوله وصدق كلامه، فيخبر عن موضوعات غيبية نأخذ قوله وإن لم نعرف برهانه، ولكن بما أن قوله أحد الحجج فهو كاف في الأخذ به وإن لم يعلم تفصيل برهان قوله كما هو الحال في إخباراتهما بعد ما ثبت حجيتهما.
تقييم جهود المؤلف هذا ما يرجع إلى المحاضر، وهناك فضل كبير يرجع إلى مؤلفنا الفاضل المحقق الشيخ (حسن محمد مكي العاملي) دامت تأييداته فقد قام بسعي بالغ وهمة عالية بضبط هذه المحاضرات ضبطا دقيقا، وإخراجها بهذه الحلة القشبية، والثوب النقي الفضفاض، وصبها في قوالب رصينة، رائعة الأسلوب، فائقة النظام، خالية عن التعقيد والإبهام، تعلو عليها جودة السرد، وحسن السبك، ورصانة البيان. فحياه الله، وجزاه خير الجزاء،