المقام الأول - حقيقة كلامه تعالى إليك فيما يلي الآراء المطروحة في حقيقة كلامه تعالى:
أ - نظرية المعتزلة: قالت المعتزلة، كلامه تعالى أصوات وحروف ليست قائمة بذاته تعالى بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبي. وقد صرح بذلك القاضي عبد الجبار فقال: " حقيقة الكلام، الحروف المنظومة، والأصوات المقطعة، وهذا كما يكون منعما بنعمة توجد في غيره، ورازقا برزق يوجد في غيره، فهكذا يكون متكلما بإيجاد الكلام في غيره وليس من شرط الفاعل أن يحل عليه فعلا " (1).
والظاهر أن كونه سبحانه متكلما بهذا المعنى لا خلاف فيه، إنما الكلام في حصر التكلم بهذا المعنى. قال في شرح المواقف: " هذا الذي قالته المعتزلة لا ننكره بل نحن نقوله ونسميه كلاما لفظيا ونعترف بحدوثه وعدم قيامه بذاته تعالى ولكن نثبت أمرا وراء ذلك " (2).
يلاحظ على هذه النظرية أن ما ذكره من تفسير كلامه سبحانه بإيجاد الحروف والأصوات في الأشياء، إنما يصح في الكلام الذي يخاطب به سبحانه شخصا أو أمة. فطريقه هو ما ذكره المعتزلة، وإليه ينظر ما ذكرنا من الآيات حول تكليمه سبحانه موسى أو غيره (3). وأما إذا لم يكن هناك مخاطب خاص لجهة الخطاب فلا بد أن يكون كلامه سبحانه على وجه الاطلاق هو فعله المنبئ عن جماله، المظهر لكماله. فاكتفاء المعتزلة بما ذكروا من التفسير إنما يناسب القسم الأول، وأما القسم الثاني فلا ينطبق عليه. إذ فعله على وجه الاطلاق ليس من قبيل الأصوات والألفاظ، بل عبارة عن الأعيان الخارجية والجواهر والأعراض. وقد سمى سبحانه فعله