وصفناها به من كونها مفتقرات بالذات ومتعلقات بالغير. فلا بد أن يكون هناك علة وراء هذه السلسلة ترفع فقرها وتكون سنادا لها.
وبعبارة أخرى: إن كل حلقة من هذه الحلقات (غير الأخيرة) تحمل سمتين: سمة العلية، وبهذه السمة توجد ما قبلها، وسمة المعلولية وبهذه السمة تعلن أنها لم تملك ما ملكته ولم تدفع ما دفعته إلى معلولها إلا بالاكتساب مما تقدمها من العلة. وهذا الأمر جار وسائد في كل حلقة وكل جزء يقع في أفق الحس أو الذهن. فإذا تصبح نفس السلسلة وجميع أجزائها تحمل سمة الحاجة والفقر، والتعلق والربط بالغير. ومثل تلك السلسلة لا يمكن أن توجد بنفسها إلا بالاستناد إلى موجود يحمل سمة واحدة وهي سمة العلية لا غير ويتنزه عن سمة المعلولية. وعند ذاك تنقطع السلسلة وتخرج عن كونها غير متناهية إلى التناهي.
تمثيلان لتقريب امتناع التسلسل إذا أردت أن تستعين في تقريب الحقائق العقلية بالأمثلة الملموسة فهاك مثالين على ذلك:
الأول: إن كل واحدة من هذه المعاليل - التي نشير إليها بالإشارة العقلية وإن لم نقدر على الإشارة إليها عن طريق الحس لكونها غير متناهية - بحكم فقرها الذاتي، بمنزلة الصفر. فاجتماع هذه المعاليل بمنزلة اجتماع الأصفار. ومن المعلوم أن الصفر بإضافة صفر، بإضافة صفر، صفر مهما تسلسل، ولا ينتج عددا صحيحا. فلأجل ذلك يحكم العقل بأنه يجب أن يكون إلى جانب هذه الأصفار عددا صحيحا قائما بالنفس حتى يكون مصححا لقراءتها، ولولاه لما كان للأصفار المجتمعة الهائلة أي دور في المحاسبة، فلا يقرأ الصفر مهما أضيفت إليه الأصفار.
الثاني: إن القضايا المشروطة إذا كانت غير متناهية وغير متوقفة على