احتمال العابثية على فعله وكلامه، لاحتمال كونه هازلا أو كاذبا في كلامه.
فلأجل ذلك يجب أن يكون بين الإدراكات العقلية شئ لا يتوقف درك حسنه وقبحه على شئ، وأن يكون العقل مستقلا في دركه، وهو حسن العدل وقبح الظلم وحسن الصدق وقبح الكذب حتى يستقل العقل بذلك على أن كل ما حكم به الشرع فهو صادق في قوله. فيثبت عندئذ أن ما تعلق به الأمر حسن شرعا، وما تعلق به النهي قبيح شرعا. هذا ما يهدف إليه المحقق الطوسي من أنه لولا استقلال العقل في بعض الأفعال ما ثبت حسن ولا قبح بتاتا.
الدليل الثاني ما أشار إليه المحقق الطوسي أيضا بقوله: " ولجاز التعاكس " (1) أي في الحسن والقبح.
توضيحه: إن الشارع على القول بشرعية الحسن والقبح، يجوز له أن يحسن أو يقبح ما حسنه العقل أو قبحه. وعلى هذا يلزم جواز تقبيح الاحسان وتحسين الإساءة وهو باطل بالضرورة. فإن وجدان كل إنسان يقضي بأنه لا يصح أن يذم المحسن أو يمدح المسئ. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " ولا يكونن المحسن المسئ عندك بمنزلة سواء " (2).
والإمام يهدف بكلمته هذه إيقاظ وجدان عامله، ولا يقولها بما أنها كلام جديد غفل عنه عامله.
الدليل الثالث لو كان الحسن والقبح شرعيين لما حكم بهما البراهمة والملاحدة الذين ينكرون الشرائع، ويحكمون بذلك مستندين إلى العقل.
وهؤلاء الماديون والملحدون المنتشرون في أقطار واسعة من شرق الأرض ومغربها يرفضون الشرائع والدين من أساسه، ويعترفون بحسن أفعال وقبح بعضها الآخر.