وكان المتوقع من أمة ورثت هذه التركة النفيسة الغالية أن تكون مرصوصة الصفوف ومتوحدتها، غير مختلفة في الأصول والفروع، سالكة سبل الحياة بهدوء وطمأنينة. ولكن يا للأسف حدثت حوادث وطرأت حواجز عرقلت خطاها، وصدتها عن نيل تلك الأمنية المنشودة. فظهرت بينها آراء متشعبة، ونبتت فيها فرق تحمل عقائد وأفكارا لا توافق حكم الثقلين، وتضاد مبادئ الإسلام وأسسه. وما هذا إلا لأجل عدم تمسكهم بما أمر النبي بالتمسك به، وهذا واضح لمن راجع تاريخ المسلمين. وليس المقام مناسبا لتفصيله، " ودع عنك نهبا صيح في حجراته.. ".
علم الكلام وليد الضروريات الزمنية قام المسلمون بعد رحلة النبي (صلى الله عليه وآله)، بفتح البلاد، ومكافحة الأمم المخالفة للإسلام، وكانت تلك الأمم ذات حضارة وثقافة في العلوم والآداب، وكان بين المسلمين رجال ذوو علاقة متأصلة بكسب العلوم السائدة في تلك الحضارات. فأدت تلك العلاقة إلى المذاكرة والمحاورة أولا، وترجمة كتبهم إلى اللغة العربية ثانيا.
وقد كانت معارف اليونان والرومان والفرس منتشرة في بلاد إيران والشام وما والاها التي فتحها المسلمون بقوة الإيمان، وضرب السيوف، فعند ذاك استولى المسلمون على العلوم اليونانية والإيرانية، ونقلوها عن السريانية والفارسية إلى العربية (1).
وأعان على أمر الترجمة وجود عدة من الأسرى في العواصم الإسلامية، فصار ذلك سببا لانتقال كثير من آراء الرومان والفرس إلى المجتمع الإسلامي وانتشارها بينهم. وكان بين المسلمين من لم يتدرع في