ولأجل ذلك يغرون شعوب العالم بطرح مفاهيم خداعة، بدعاياتهم الخبيثة، من قبيل دعم الصلح والسلام العالميين، وحفظ حقوق البشر والعناية بالأسرى والسجناء ونبذ التمييز العنصري، إلى غير ذلك مما يستحسنه الذوق الإنساني والعقل البشري في جميع الأوساط، يطرحون ذلك ليصلوا من خلاله إلى أهدافهم ومصالحهم الشخصية. ولولا كون هذه المفاهيم مقبولة عند عامة البشر لما استخدمها دعاة المادية والإلحاد في العالم.
والحاصل أن هناك أفعالا لا يشك أحد في حسنها سواء ورد حسنها من الشرع أم لم يرد. كما أن هناك أفعالا قبيحة عند الكل، سواء ورد قبحها من الشرع أم لا. ولأجل ذلك لو خير العاقل الذي لم يسمع بالشرائع، ولا علم شيئا من الأحكام، بل نشأ في البوادي، خالي الذهن من العقائد كلها، بين أن يصدق ويعطى دينارا، أو يكذب ويعطى دينارا، ولا ضرر عليه فيهما فإنه يرجح الصدق على الكذب. ولولا قضاء الفطرة بحسن الصدق وقبح الكذب لما فرق بينهما، ولما اختار الصدق دائما.
وهذا يعرب عن أن العقل له قدرة الحكم والقضاء في أمور ترجع إلى الفرد والمجتمع، فيحكم بحسن إطاعة وليه المنعم وقبح مخالفته، وأن المحسن والمسئ ليسا بمنزلة سواء، ونحو ذلك.
الدليل الرابع - لو كان الحسن والقبح باعتبار السمع، لما قبح من الله تعالى شئ. ولو كان كذلك لما قبح منه إظهار المعجزات على أيدي الكاذبين. وتجويز ذلك يسد باب معرفة الأنبياء، فإن أي نبي أتى بالمعجزة عقيب الادعاء، لا يمكن تصديقه مع تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب في دعواه.
وهذه النتيجة الباطلة من أهم وأبرز ما يترتب على إنكار القاعدة.
وبذلك سدوا باب معرفة النبوة.
والعجب أن الفضل بن روزبهان حاول الإجابة عن هذا الدليل بقوله: