غير مخلوق للبشر، وفي الوقت نفسه هو مخلوق لله سبحانه، فهذا أمر لا ينكره مسلم. فإن القرآن مخلوق لله سبحانه والناس بأجمعهم لا يقدرون على مثله. قال سبحانه: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * (1).
وهذا التحليل يعرب عن أن المسألة كانت مطروحة في أجواء مشوشة وقد اختلط الحابل فيها بالنابل ولم يكن محط البحث محررا على وجه الوضوح حتى يعرف المثبت عن المنفي، ويمخض الحق من الباطل. ومع هذا التشويش في تحرير محل النزاع نرى أن أهل الحديث والأشاعرة يستدلون بآيات من الكتاب على قدم كلامه وكونه غير مخلوق. وإليك هذه الأدلة واحدا بعد واحد.
أدلة الأشاعرة على كون القرآن غير مخلوق إستدل الأشعري بوجوه:
الدليل الأول: قوله سبحانه * (إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * (2) قال الأشعري: ومما يدل من كتاب الله على أن كلامه غير مخلوق قوله عز وجل: * (إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * (3).
فلو كان القرآن مخلوقا لوجب أن يكون مقولا له " كن فيكون " ولو كان الله عز وجل قائلا للقول " كن " لكان للقول قول. وهذا يوجب أحد أمرين: إما أن يؤول الأمر إلى أن قول الله غير مخلوق، أو يكون كل قول واقع بقول لا إلى غاية وذلك محال. وإذا استحال ذلك صح وثبت أن لله عز وجل قولا غير مخلوق (4).