مقابلها، بل كان ببينهم من لم يتورع في أخذ الفاسد منها، فأصبحوا مغمورين في هذه التيارات الفكرية، ونجمت فيهم الملاحدة نظراء: ابن أبي العوجاء، وحماد بن عجرد، ويحيى بن زياد، ومطيع بن أياس وعبد الله بن المقفع، وغيرهم من رجال العيث والفساد. فهؤلاء اهتموا بنشر الإلحاد بين المسلمين وترجمة كتب الروم والفرس بما فيها من الضلال والإلحاد، مع ما فيها من الحقائق الصحيحة. إلى أن عاد بعض المتفكرين غير مسلمين للإسلام إلا بالقواعد الأساسية كالتوحيد والنبوة والمعاد.
فكانوا ينشرون آراءهم علنا، ويهاجمون بها عقائد المؤمنين (1).
وهذا هو العامل الأول لانتشار الفوضى في العقائد والأعمال والأخلاق والآداب. وهناك عامل ثان لهذه الحركة الهدامة وهو حرية الأحبار والرهبان والمتظاهرين بالإسلام في نقل ما ورثوا من القصص والأساطير من طريق العهدين والكتب المحرفة. فوجدوا في المجتمع الإسلامي جوا مناسبا لإظهار البدع اليهودية والسخافات المسيحية والأساطير المجوسية فافتعلوا أحاديث نسبوها إلى الأنبياء والمرسلين، كما افتعلوا بعضها على لسان النبي الأكرم، فحسبها السذج من الناس والسوقة، حقائق ناصعة وعلوما ناجعة ملؤوا بها صدورهم وطواميرهم وتفاسيرهم للكتاب العزيز (2).
ففي هذا الجو المشحون بالغزو الفكري من جانب الأعداء، وعدم تدرع المسلمين في مقابل هذه الشبهات والشكوك شعر المفكرون المخلصون من المسلمين بواجبهم، وهو الدفاع عن العقيدة الإسلامية بنفس الأصول التي يدين بها المخالفون، والطرق التي يسلكها المعادون. وكان نتيجة ذلك تأسيس علم الكلام لغاية الاستدلال على صحتها وذب الشكوك والشبه