الثاني - إن القاعدة العقلية تختص بالموجودات الإمكانية والظواهر المادية فإنها - بما أنها مسبوقة بالعدم - لا تنفك عن علة تخرجها من كتم العدم إلى عالم الوجود. ولولا العلة للزم وجود الممكن بلا علة، وهو محال.
وأما الواجب في فرض الإلهيين فهو أزلي قديم غير مسبوق بالعدم.
وما هذا حاله غني عن العلة لا يتعلق به الجعل والإيجاد، فإنهما من خصائص الشئ المسبوق بالعدم ولا يعمان ما لم يسبقه العدم أبدا وكان موجودا في الأزل.
والسائل لم يحلل موضوع القاعدة وزعم أن الحاجة إلى العلة من خصائص الموجود بما هو موجود مع أنها من خصائص الموجود الممكن المسبوق بالعدم، والواجب خارج عن موضوع القاعدة خروجا تخصصيا لا تخصيصيا، والفرق بين الخروجين واضح.
الثالث: إن القول بانتهاء الممكنات إلى موجود واجب متحقق بنفسه مقتضى البرهان العقلي الذي يحكم في سائر المجالات. فلا يصح الأخذ بحكمه في مجال دون مجال.
فالعقل الذي يعترف بقانون العلية والمعلولية يحكم بلزوم انتهاء الموجودات إلى موجود واجب. وقد عبر الحكماء عن هذه القاعدة بقولهم:
" كل ما بالعرض لا بد أن ينتهي إلى ما بالذات ". كما استعانوا في توضيحه بأمثلة كثيرة معروفة في محلها، نحو: إن كل شئ مضاء بالنور، والنور مضئ بنفسه، وإن حلاوة الأغذية الحلوة بالسكر والسكر حلو بنفسه، إلى غير ذلك من التقريبات العرفية.