فلو صح لنا تشبيه المعقول بالمحسوس وإفراغ المعاني العالية في قوالب حسية ضيقة، فلا عتب علينا إذا قلنا بأن الدين تجاه التيارات المؤلمة القاصمة للظهر، الموجبة للانفجار، كصمام الأمان في المسخنات البخارية التي لم يزل بخارها يزداد حينا بعد حين، فلولا صمام الأمان الذي يوجب تسريح البخار الزائد، لانفجر المسخن في المعمل وأورث القتل الذريع والحرق الفظيع، وقد اعتذرنا عن هذا المثال بأنه من باب تشبيه المعقول بالمحسوس.
* * * 4 - المعرفة المعتبرة إن الخطوة الأولى لفهم الدين هي الوقوف على المعرفة المعتبرة فيه.
فالدين الواقعي لا يعتبر كل معرفة حقا قابلا للاستناد، بل يشترط فيها الشروط التالية:
أ - المعرفة القطعية التي لا تنفك عن الجزم والإذعان ورفض المعرفة الظنية والوهمية والشكية، قال سبحانه:
* (ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * (1). ترى أن الآية ترفض كل معرفة خرجت عن إطار العلم القطعي، ولأجل ذلك يذم في كثير من الآيات اقتفاء سنن الآباء والأجداد، اقتفاء بلا دليل واضح، وبلا علم بصحته وإتقانه، يقول سبحانه: * (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون * وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) * (2).