أنهم طلبا لمجاراة الحكماء والفلاسفة خاضوا في البحث عن الأمرين الأولين، حتى يستغني الباحث الكلامي في الأبعاد الثلاثة عن كتب غيرهم.
ولو كان تركيزهم على الأمور الثلاثة أمرا مستحسنا في تلك الأدوار، فإنه أصبح اليوم أمرا مستدركا غير ناجع.
فإن الحكماء قد بلغوا الغاية في تحليل الأمور العامة، واصطلحوا عليها ب " الفن الأعلى " أو " الإلهيات بالمعنى الأعم "، فمن تدرس هذه الناحية في الفلسفة الإسلامية فهو في غنى عن كل ما ذكره المتكلمون في كتبهم، مع كون أبحاثهم غير وافية بما هو المطلوب منها.
كما أن علماء الطبيعة من عصر النهضة إلى زماننا هذا، قد توغلوا في العلوم الطبيعية وشققوا الشعر في تلك الحقول، وذلك بفضل أدوات التجربة التي أوجدت ضجة وتحولا كبيرين في هذا المجال. فصار البحث عن العلوم الطبيعية الدارجة في الكتب الكلامية، شيئا غير مفيد إلا أن يكون لأجل الوقوف على آراء المتقدمين من الباحثين الذي يطلق عليه " تاريخ العلم ".
فلأجل هذين الأمرين اشتملت الكتب الكلامية الدارجة على أمور غير لازمة، يجب حذفها عن مصب الاهتمام والتركيز على " الإلهيات ".
وأما ثانيا: فإن ما جاء به المتكلمون في أبواب إثبات الصانع وحدوث العالم مختصر جدا لا يفي بدفع الإشكالات والشكوك المبثوثة في طريق الإلهيين الجدد، يلمس ذلك كل من قرأ الكتب النفسية والاجتماعية والفلسفية المادية التي تركز على تحليل حدوث النظام والأنواع على أسس خاصة، ببيانات خادعة لعقول البسطاء، بل المتعلمين.
فلأجل ذلك يجب أن تكون الكتب الكلامية ناظرة إلى ما وصلت إليه يد الباحث المادي من الشكوك والفروض التي يفتخر ويتبجح بها. فالبحث